منوعات

“الإيموجي”.. حين تتفاعل المشاعر إلكترونيا

لغة موحدة بلا حروف ولا قواعد، تسجل حضورها وتثبت وجودها، يفهمها البشر في كل بقاع الأرض وكأنها أصبحت أداة حوار مكتملة بعناصرها، تتجاوز الحواجز الثقافية وتنقل المعاني من دون لغة مشتركة.
تحكي المشاعر من فرح وحزن، ألم وفراق، خجل وقلق، استغراب وغضب، بكاء ودهشة، وقلوب تنبض بالحياة وأخرى يغادرها الاشتياق، وغيرها الكثير، إنها تسمى “الإيموجي”، وهي لغة لا تفارقنا في تفاصيل الحياة اليومية.
رسومات بسيطة تختصر الأحاسيس والمشاعر، عبر رموز صغيرة، وإشارات تحكي وتناقش وتجادل! ربما البعض يجدها طريقا للمجاملة واختصارا الوقت، وآخرون يرون فيها أداة لتمهيد الطريق في أي حوار كان، فيما تعبر عن الحب والمشاعر وتظهر مكنونات النفس لدى البعض الآخر.
ولكنها أيضا، لدى فئة ليست قليلة، أداة “مستفزة” فيها هروب من التعبير الحقيقي عما يجول في النفس، وأسلوب مستهلك في إخفاء الانفعالات وتشابه بين البشر لا إبداع فيه.
ملايين الأشخاص من مستخدمي الانترنت حول العالم، يلجأون الى الإيموجي “الصفراء” عبر كل تطبيقات المحادثة التي تحضر باستمرار تفاديا للنص المكتوب واختصارا للوقت في حياة سريعة الوتيرة.
وظهرت الرموز التعبيرية “الإيموجي” في أواخر تسعينيات القرن الماضي تحديداً في اليابان، إذ أدخلتها شركة اتصالات يابانية للمساعدة على تسهيل التواصل الالكتروني عبر الرسائل ولإكساب النص “بعضا” من المشاعر، ومع الوقت أصبحت هذه الاختصارات منتشرة وشائعة بين الجميع، وهذا ساعد على تطورها عبر السنين.
كانت الخطوة الكبرى في عالم الرموز التعبيرية “الإيموجي” في العام 2010 عندما اتفقت المنصات الإلكترونية المختلفة على معايير توافق موحدة تجعلها مقروءة فيما بينها وأصبحت أنظمة التشغيل المختلفة قادرة على تبادلها.
اليوم، هناك ما يعادل 845 رمزاً تعبيرياً “إيموجي” وفي ظل الانتشار الكبير لاستخدامها في الرسائل النصية على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، فهي فرضت نفسها وحضورها.
وتستخدم حنان عبدالرحمن (26 عاما) “الإيموجي” بشكل كبير في محادثتها مع زوجها وصديقاتها وعائلتها، وتراها معبرة جدا، وتوفر عليها الكثير من الأحاديث، وتوصل المعنى الذي تريده، من ضحك أو حزن أو فرح، وهي تفضل “الإيموجي” المضحكة وتكثر من استخدامها في محادثاتها وتشعر بالفرح عندما يتم إرسالها لها، لدرجة أنها أصبحت “متعلقة بها” كثيرا، وجزءا من تفاصيلها، ولا تستطيع أن تتخيل أي محادثة تجريها من دون “الإيموجي”.
بينما لين عبدالله (21 عاما) تصف علاقتها مع “الإيموجي” بـ”السطحية”، فهي أحيانا قد تستخدم 5 رموز فقط، تلك التي تعبر عن الفرح والحزن والضحك والبكاء، لأنها تميل أكثر لكتابة الكلمات والشرح الوافي في رسائلها، وإلصاق رمز معين معها إن أحبت، لكنها، كما تقول، لا تفعل كما الآخرين ممن يلجأون اليها في كل حواراتهم، وكأنها لغة معتمدة ووافية في كل شيء.
ولا شيء “يستفز” مراد أحمد، قدر استخدام تلك الرموز، ويستغرب ممن يلجأون اليها في كل أحاديثهم، وكأنها أصبحت لغة أساسية وحاضرة، وبشكل يزيد على حده.
مراد، يزعجه اللجوء إليها في الرسائل الرسمية أيضا بمجالات العمل، وأحيانا بالمحادثات الجادة المرسلة عبر البريد الالكتروني، لافتا إلى أنه قد يستوعب “الإيموجي” بين الأصدقاء، ولكن انتشارها في كل مكان وضمن أي محادثة، “أضعف” من لغة حقيقية هي الأساسية في التعبير وإيصال المشاعر كافة.
ويلفت الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، إلى أن اللغة بحد ذاتها، سواء المحكية أو المكتوبة أو المرسومة، يستخدمها الإنسان في ظروف معينة، ولكن هذا يتوقف على مدى قدرة الإنسان على التعبير، فهنالك من يفتقد القدرة الحسية أو اللغوية بالتعبير، لذلك تصبح الرموز جزءا أساسيا في الحوار لتوصل الفكرة أو المعنى بأسرع وقت ممكن.
ويشير مطارنة إلى أن “الإيموجي” هي لغة يستخدمها الجيل في هذا العصر، والبعض لا يفهمها ويستخدمها من دون معرفة تامة بمعناها، ولكن الأغلبية بات يستخدمها كبديل عن المشاعر واختصارا للوقت، مبينا أنه لا “بديل أو تعويض” عن اللغة الحقيقية.
ويعطي مطارنة مثلا؛ “أنا عندما أكن المشاعر لشخص ما لا أخبره حتى برسالة واتس أب، وإنما أتصل به وأخبره بالكلمات”، منوها إلى أن العاطفة في العلاقة الحقيقية القوية لا تعتمد على الرمز، لأنه نوع من “المجاملات الإلكترونية”، وللأسف فإن التعبير سواء بالمواساة أو المباركة أو الحب أو الاشتياق أو الحزن أصبح إلكترونياً، وهذا نتيجة التغير الذي يحصل في المجتمع المتغير السريع، كما يقول.
ومن جانب آخر، فإن هذا العالم الالكتروني قدم البساطة والسهولة وسرعة التواصل وسهولته بالصوت والصورة، وتقريب المسافات، لكن ذلك لا يعني أنه أصبح البديل للمشاعر الحقيقية في التعبير، بحسب مطارنة.
وفي علم النفس، الإنسان إذا أحب شخصا ما وأراد أن يعبر عن مشاعره، يكون ذلك في الكلام أو الهدية الرمزية والزهور، وهذا هو التعبير الحقيقي، لذلك يعتقد مطارنة أن الرموز التعبيرية لا تصل إلى مستوى الواقعية ولا للقوة التي تحملها الكلمات والألفاظ، فالإنسان الذي يحب بحق يستخدم الكلمات والذي يميل للمجاملة قد يستخدم الرموز.
ويبين مطارنة أن الإنسان أحيانا يستخدم هذه الرموز، نوعاً من “جس النبض” وأحيانا لبناء العلاقات، لكنها، كما يقول، تبقى ضمن إطار المجاملات الإلكترونية وردات الفعل السريعة، لا معنى حقيقيا لها على أرض الواقع.
ويعتقد مطارنة أنه من غير الممكن اعتماد هذه “الإيموجي” كلغة للحوار، فهي لا تكفي ولا يمكن تكوين الجمل من خلالها، فهي تبقى رموزا ليست أكثر، والكلمات هي التي تعبر عن الحقيقة في النهاية.
الاختصاصي النفسي الدكتور علي الغزو، يرى “أن مشاعرنا أصبحت في كثير منها إلكترونية والرموز المستخدمة في وسائل التواصل، تعبر أحيانا عن ردة فعل الشخص، ولكنها في محادثات كثيرة تأخد مبدأ المجاملة لا أكثر ولا أقل”.
ويضيف الغزو أن استخدام “الإيموجي” يعتمد على طبيعة المحادثة والكلام والنضج الفكري للشخص ومفهومه للأشياء والمعرفة بالأشخاص، لذلك عند استخدامها مع شخص لا نعرفه يغلب عليها طابع المجاملة.
ويعتقد الغزو أن البعض يستخدمها اختصارا للكلام، ولكن هذا له بعد سلبي قد يفقد الإنسان مهارة اللغة والكتابة والتعبير، مضيفا “أننا نلاحظ بعض طلاب المدارس والجامعات يفتقدون قدرة التحدث بطلاقة، وهذا يسبب ضعفا في الشخصية، وبالتالي يلجأون لـ”الإيموجي” تجنبا للإحراج، لذلك هي تعد سلاحا ذا حدين، فهي إيجابية وسلبية في الوقت ذاته، فرغم اختصارها وسهولتها، إلا أن هذا لا يجب أن يكون على حساب مهارات اللغة.
ويؤكد الغزو أن درجة مقروئية الرمز تختلف من شخص لآخر، فالبعض يعد “الإيموجي” رمزاً معبراً وأصدق من الكلام، وهذا يعتمد أيضا على قوة العلاقة بين طرفي المحادثة، لافتا إلى أنه مهما تطورت هذه الرموز التعبيرية لن تكون بديلا عن لغة الحوار الحقيقي.
ويرى الغزو أن جيل الشباب يستخدم “الإيموجي” باعتبارها “موجة إلكترونية”، ومع الوقت سيدرك أنه بحاجة إلى اللغة الحقيقية التي تعبر عما بداخله، ولن يكون هنالك شيء أقوى من الكلمات.