منوعات

كتمان الخصوصيات.. حينما تكون “مساحاتنا الخاصة” سببا بقطيعة الآخرين

 إخفاء التفاصيل والخصوصيات لحين اتمامها، عادة ينتهجها العديد من الأفراد، إذ يجدون أن لهم الحق الكامل بالإفصاح عما يريدونه في وقت محدد، وليس من حق غيرهم أن يكونوا على علم وتماس مباشر بجوانب عديدة من حياتهم.
غير أن ذلك الشيء، قد يكون سببا في القطيعة وانتهاء علاقة ما، لأن هناك من يعتبر أن إخفاء التفاصيل عنه من شخص مقرب، يعكس معاني سلبية وكأنه لا يعني له شيئا.
وما تزال الكثير من العادات الاجتماعية تفسر بشكل خاطئ وسلبي، كما في إخفاء الشخص لأمر معين في حياته لحين اتمامه، ولعل واحدة من ردود الفعل تكون بالعتب والغضب وتصل للقطيعة بأحيان أخرى.
ويعتبر بعض الأشخاص الذين يتفاجئون بمعلومة ما أخفاها أحدهم، أنهم “بالهامش” وليس لهم دور في أمور مهمة تحدث معه، فتكون ردود أفعالهم غاضبة.
وفي ذات الوقت، يتناسى هؤلاء ان لكل شخص خصوصيته ومساحته الخاصة، وله الحق في أن يفصح عن شيء معين يخصه في وقته، من دون المبالغة بمشاعر العتب والزعل والغضب من الطرف الاخر.
ويذهب الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة، إلى أن الإنسان الواثق من نفسه والذي لا يعاني من اشكاليات نفسية، لا يمكن أن يتدخل في خصوصيات الآخرين، ولا يسأل من الأصل عن آسرار غيره أو خصوصياته.
والآصل أن بعض الجوانب تبقى خاصة، وعلى الشخص التعامل معها على هذا الأساس، والمطلوب من الطرف الثاني فقط فور معرفته بالأمر المباركة في الفرح أو على حسب المناسبة التي تكون، من دون أن يكون هناك أي عتب على الإطلاق.
غير أن ما يحدث في العرف الاجتماعي السائد في مجتمعنا وخصوصا بين الأقارب هو الغضب ويصل للمقاطعة احيانا، لاعتبار الشخص القريب نوعا ما لا بد من الأخذ بمشورته وغير ذلك يعتبر الطرف الثاني نفسه غريبا.
ويشير مطارنة إلى أن هذا الأمر يولد مشاعر سلبية وفيه نوع من التملك، مبينا أن هؤلاء لديهم حب السيطرة والنرجسية ويعتبرون أن من حقهم التعرف على كل خصوصيات الآخرين.
ووفق مطارنة، فإن هؤلاء ليسوا أصدقاء، فالإنسان صاحب الأمر وله كامل الحق بأن يخفي أو يعلن الخبر الذي يريده وهو الذي يقرره.
ويشير إلى أن هذه اشكالية موجودة للأسف بكثرة في المجتمع وعلى الشخص أن يضع حدا لهذا النوع من العلاقات، فلا بد من احترام خصوصيات الآخرين، فكل إنسان لديه مساحته الخاصة ويتعامل معها كما يشاء، فهذا أمر يتعلق باحترام حرية الآخر ولا يجب التعديل عليها مهما كان.
كما لا بد أن يكون الإنسان قادرا على التصرف بهذه المواقف، والحد من فئة هؤلاء الأشخاص واختصار حدود العلاقات معهم، فليس من حقهم العتب على أي شيء خاص، ولا بد من التعامل مع هذا الأمر بحزم، وفق مطارنة.
ويرى الاختصاصي الأسري مفيد سرحان أن الإنسان يتخذ كثيرا من القرارات المهمة في حياته، وهذه القرارات تمر بمراحل متعددة، وبعضها يستغرق التفكير بها ودراستها عدة أيام وأحياناً عدة أشهر، ومنها ما يتطلب أعواما لتحقيقه.
وخلال هذه الفترات يحرص الكثيرون على عدم اطلاع الآخرين على ما يفكرون به أو ينوون عمله، وذلك يعود لأسباب مختلفة، منها الرغبة في استكمال جميع التفاصيل المتعلقة بالموضوع قبل معرفة الآخرين به، باعتبار أن هذه التفاصيل يمكن التعديل عليها، أو أن يصرف الشخص النظر عن اتمام الموضوع حتى النهاية، لأسباب متعددة ولذلك ليس من الضروري أن يعلم الآخرون بما يفكر به أو ينوي عمله.
وبحسب سرحان، أحيانا تكون الخشية من التدخل في الخصوصيات والتأثير على صاحب القرار أو المقربين منه، أو الطرف الآخر في حال وجود شخص أو جهة أخرى يتم التفاوض أو ابرام اتفاق معها، ويزداد ذلك في حال وجود تجارب عند هذا الشخص أو عند أحد أفراد أسرته، وكان لتدخل الآخرين سببا في عدم اكتمال الأمور أو افشال الاتفاق.
وفي بعض الأمور الحساسة يرغب الطرفان في ابقاء الأمور بينهما خاضعة للحوار والنقاش وعدم تدخل غيرهما حتى من الأقربين، وفق سرحان، وبعض الناس يفضلون اتخاذ قرارتهم بأنفسهم، وأن تبقى هنالك مساحة من الخصوصية.
وايضا، هنالك الشخص الكتوم الذي اعتاد أن ينجز أعماله حتى الكبيرة منها بصمت والتي قد تستغرق وقتا طويلا، ويرى الآخرون ثمارعمله وإنجازاته ومشاريعه على أرض الواقع.
لذا، من حق الشخص أن يختار الطريقة المناسبة لتحقيق أهدافه وإنجاز مشاريعه، وأن لا يطلع الآخرون على كل التفاصيل والخطوات، وهذا يجب أن لا يكون مستغرباً، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان”، مما يعني أن هذا السلوك هو منهج وليس مستغرباً أو شاذاً.
والأصل، بحسب سرحان أن لا يسبب ذلك ردة فعل سلبية عند الآخرين، وهذا السلوك لا يعني الانتقاص من قدرهم أو تخوينهم أو عدم الثقة بهم أو التقليل من شأنهم أو تجاوزهم، ولا ينبغي أن يكون سببا في القطيعة أو فتور العلاقات، بل أن ندعوا لصاحب القرار بالتوفيق ولا نبدي الامتعاض أو عدم الرضى.
غير ان سرحان يؤكد أن بعض الأمور بحاجة إلى المشورة وأخذ رأي أهل الخبرة والاختصاص للاستفادة منها، خصوصاً في حال القرارات الكبرى والمصيرية، وهذا يعود للشخص نفسه وليس من باب الالزام. وهؤلاء يجب أن يكونوا أمناء على ما يطلعون عليه، وألا يفشوا الأسرار أو أن يستثمروا ما لديهم من معلومات في الإضرار بصاحب العلاقة.
في التعامل بين الزوجين خصوصاً يجب أن تكون المشورة وتبادل الآراء في معظم الأمور –أو جميعها-، خصوصاً في القرارات التي تنعكس آثارها عليهما، كشراء منزل أو سيارة أو قرار زواج الابن أو البنت، لأن المصلحة هنا مصلحة مشتركة، وكذلك مشورة الأبناء في القضايا التي تخصهم.
وعلى الإنسان أن يكون مستعدا لتحمل الآثار المترتبة على قراراته وهذا يتطلب المواءمة بين الخصوصية والاحتفاظ بالتفاصيل وبين المشورة، التي تمكن الشخص من اتخاذ القرار الصائب.
وينوه سرحان أن المشورة لا تعني بالضرورة نشر التفاصيل بل يمكن أن تتم بطرق مختلفة مباشرة وغير مباشرة، مستغربا ممن لديهم فضول زائد يدفعهم إلى البحث عن كل المعلومات بل والسؤال عنها، وهو سلوك غير سليم ومزعج.
ولا بد من ادراك الجميع أن الإنسان لا يمكن له أن يعيش بمعزل عن الآخرين أو يستغني عنهم تماماً، و”علينا أن نحترم رغبات بعضنا البعض وخصوصيات الآخرين حتى أقرب الناس إلينا”.