حالة من الحيرة والتخبط والضبابية عادت لتسيطر على المجالس العائلية، بعد أن أعلنت وزارة الصحة بداية الأسبوع الحالي انها “قررت خفض سن التلقيح ضد فيروس كورونا المستجد إلى 12 عاما اعتبارا من الأحد، ومن دون موعدٍ مسبق لمن يرغب”. أولياء الأمور بدأ ينتابهم الخوف على النتائج التي قد تترتب من تلقي أطفالهم اللقاحات، على الرغم من تأكيد سلامتها صحياً.
ووفق بيان وزارة الصحة، الذي نشر عبر صفحتها على فيسبوك، فإن الحصول على اللقاح سيكون “اختيارياً”، لمن هم دون سن الثامنة عشرة ولغاية الثانية عشرة عاماً، وبموافقة ولي الأمر. هذه التصريحات دفعت عائلات إلى البحث عن مصادر طبية موثوقة تتحدث عن سلامة تلك المطاعيم للأطفال.
موجة من النقاشات وفرض الآراء ما بين مؤيد ومعارض اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا من أولياء الأمور الرافضين لتلقي اللقاح لأنفسهم، متسائلين “لم نقبل بأخذ اللقاح لأنفسنا فكيف سنوافق على إعطائه لأطفالنا”، فيما آخرون يقرون بأنهم تلقوا اللقاح وبجرعتيه، ولكن عند التفكير في الأطفال يكون الأمر أكثر توتراً، وترددا.
يبرر كثيرون هذا الخوف بأن الموجات المتتالية لمتحورات الوباء، لم تؤد إلى اصابات بين صفوف الأطفال، ولم تصل إلى مراحل خطيرة من المرض لمن أُصيبوا، عدا عن أن كثيرا من دول العالم لم تُقدم على إعطاء اللقاح للأطفال، وهذا يجعل الأمر بحاجة أكثر للتأني في اتخاذ القرار من قِبل الأهل، اللذين يعتقدون كذلك أن إلزامية موافقة ولي الأمر، قد تكون سبباً في تحمل الأهل نتائج اللقاح، كما يصف أولياء الأمور ذلك.
بيد أن الولايات المتحدة الأميركية وعدة دول أوروبية بدأت خلال الأشهر القليلة الماضية بإعطاء اللقاح لمن هم في سن 12 عاما، وخصوصا لقاح “فايزر”، في حين منحت هيئة الدواء الأوروبية موافقتها على تطعيم الأطفال من سن 12 إلى 15 سنة بلقاح فايزر – بيونتيك المضاد لفيروس كورونا، ولكن هذا لم يوفر الاطمئنان الكافي للأهل.
استشاري الأمراض الصدرية والتنفسية وخبير الأوبئة الدكتور محمد الطراونة، يرى أن إعطاء المطاعيم لمن هم دون سن الثامنة عشرة ولغاية الثانية عشرة، هو “أحد الأمور الجدلية التي ما يزال العالم لم يبت فيها القرار النهائي، كما في خلط المطاعيم او تقديم جرعة ثالثة مدعمة”، خاصةً وأن منظمة الصحة العالمية وهيئة الصحة في الاتحاد الأوروبي ومركز مراقبة الأمراض في أميركا لم تجز استخدام المطعوم لمن هم دون سن الثامنة عشرة. كما يشدد الطراونة على “لا يجوز بأي قانون أن يتم مطالبة ولي الأمر بأن يقدم موافقة موقعة على سبيل المثال لأخذ المطعوم في هذا السن، في ظل عدم وجود دراسات علمية كافية تتناول هذا الجانب الخاص بالأطفال”، فما يزال الأمر جدليا، وهناك تباين في الآراء، ولا توجد بيانات واضحة حول العالم، وخاصة بما يتعلق بالأطفال في الشرق الأوسط والعالم العربي، فيما إذا كانت هذه اللقاحات آمنة وفعالة أو إذا ما كان الطفل بحاجتها فعلا. ووفق الطراونة، ينبغي ألا يكون هدف الجهات المختصة زيادة أعداد الحاصلين على اللقاح فقط، ومن ضمنهم الاطفال، بل انتظار نتائج مراكز الأبحاث الخاصة حول هذا الأمر.
وفيما يتعلق بالأطفال في العالم العربي تحديداً، يرى الطراونة أن طبيعة البيئة والظروف المعيشية ونظام الحياة “والجينات” في بعض دول العالم يختلف عن الأطفال الذين يعيشون في الوطن العربي، فتأثير اللقاح قد يكون مختلفا من بيئة لأخرى، وهذا يتطلب وجود مراكز دراسات وبحث متخصصة في بلادنا لإعطاء القرار الجيد فيما يتعلق بهذا الجانب، في الوقت الذي يتوقع فيه الطراونة أن هذا الأمر قد يؤدي إلى عزوف كثيرين عن اللقاح، لذا من الأجدى أن يتم الأمر بالوعي والتثقيف.
ويتفق طبيب المجتمع والصحة العامة اختصاصي الوبائيات الدكتور عبد الرحمن المعاني مع الطراونة بأنه من “المُبكر جداً ان تُقدم الدولة على إعطاء اللقاح للأطفال”، معللاً ذلك بأن كورونا بشكل عام لم يشكل “خطرا على الأطفال”، اي أنه لم تسجل إصابات خطيرة لديهم.
كما يعتقد المعاني أن الدراسات لم تقدم تفصيلاً كاملاً حول وجوب المطاعيم وصحتها للأطفال، باستثناء “فايزر” الذي يتم إعطاؤه في أميركا مثلاً، وبعض دول أوروبا، وان التصريح بالمطاعيم للأطفال يُعد “مغامرة” على حد تعبيره، لذا، على الحكومة كذلك أن توجه جهودها لتقديم اللقاح لما يقارب 572 ألف شخص مسجلين على المنصة ممن يتجاوز اعمارهم الـ55 عاماً، وبانتظار دورهم في المطعوم.
إلى ذلك، يشير المعاني إلى عزوف 250 ألف مواطن من سن الـ55 سنة فما فوق كذلك عن التسجيل على المنصة الخاصة بالمطعوم، وعلى الحكومة ان تعمل على توجيههم وتوعيتهم بأهمية أن يقوموا بالتسجيل لغايات الحصول على اللقاح، وهذه الفئة هي الأشد حاجة للقاح أكثر من الأطفال، وفق المعاني، كما ان الأطفال سيكونون أكثر أماناً خلال توجههم إلى المدرسة بوجود ما يقارب 83 % من الهيئة التدريسية حاصلة على اللقاح، الأمر الذي يساهم في العودة إلى التعليم الوجاهي حتى وإن تم تأجيل المدراس لفترة زمنية قليلة.
استشاري الأمراض الصدرية والأزمة الدكتور عبدالرحمن العناني، يتبنى وجه نظر مختلفة إلى حد ما، حيث يرى أن الأمر ليس إجبارياً لهذا السن تحديداً، فالأمر لا يدعو للقلق ولا يجبر الأهل على إعطاء المطعوم لأطفالهم، إلا أنه يرى في ذات الوقت أنه ومن خلال الحالات المرضية التي قام بمعاينتها طبياً خلال الفترة الماضية ممن أُصيبوا بفيروس كورونا ومن ضمنهم أطفال، فإن ظهور سلالات جديدة قد أدى إلى وجود إصابات بين الفئات الأقل عمراً “دون الثامنة عشرة”، وهذه السلالات غير معروف خطورتها على مختلف الأعمار.
لذا، لا يرى العناني ضيرا من إعطاء الأطفال المطعوم بقناعة ولي الأمر، خاصة إذا كان الطفل لا يعاني من أي أمراض أخرى ويتمتع بصحة جيدة، حيث يمكن أن تقدم له تلك المطاعيم مناعة ضد المرض، مشيراً إلى أن اي لقاح طبي مهما كان قد تظهر له أعراض جانبية متفاوته، كما هي في مطاعيم الأطفال المعروفة.
ويلفت العناني إلى أن الإصابات من السلالات المتحورة قد دخلت إلى المملكة من خلال القادمين من الخارج، مع وجود حركة سفر اعتادية، وقد يكون من ضمن هؤلاء المصابين أطفال برفقة عائلاتهم، ومنهم أطفال سيغادرون، لذا، في حال رأى ولي الأمر ان المطعوم لن يشكل خطورة على طفله، بإمكانه التقدم له ومراقبة الأعراض الجانبية المتوقعة، والتي من الممكن أن تكون أقل من البالغين.
مع تلك القرارات والأحاديث والنقاشات المختلفة، يشعر الأهل وأولياء الأمور بحالة تردد وخوف وضغوط نفسية مختلفة، في ظل أصوات تربط ما بين حصول الأطفال على اللقاح مقابل التعليم الوجاهي، الذي يطالب به الأهل. لذا، تعتقد الأخصائية والاستشارية النفسية الدكتورة خولة السعايدة أن “وضع قرار اللقاح بين يدي الأهل فيما يتعلق بأبنائهم يزرع القلق في قلوبهم لما قد يحدث في حال وافقوا أو امتنعوا”.
ووفق السعايدة، فإن الأمر برمته غير واضح المعالم، ويفتقد الأهل الثقة فيما يتلقونه من معلومات متباينة ومتضادة، ويجعلهم دائمي التفكير فيما إذا اختاروا المطعوم لأبنائهم او امتنعوا عنه، ويحاولون تقديم مصلحة الابن دائماً، وهذا يشكل هاجسا للأهل منذ ظهور الجائحة في العالم.
وتتوافق السعايدة كذلك مع الطراونة بأن هذا التوتر والقلق والتردد وترك القرار وتحمل المسؤلية للاهل سيساهم في العزوف عن المطعوم، ومن الأجدى تشجيع الأهل على الإقبال على اللقاح وطمأنتهم، ما قد يزيل القلق والتوتر وحماية انفسهم في سبيل حماية أبنائهم.
ويُشار إلى أنه ولغاية الآن وصل عدد الحاصلين على جرعتين من لقاح كورونا (2060638)، فيما عدد الحاصلين على جرعة واحدة وصل عددهم إلى (2788103)، وعدد من سجلوا على المنصة رغبةً في الحصول على اللقاح (3449300).