منوعات

التوازن والعيش برضا وسلام في زمن “السوشال ميديا” كيف يتحقق؟

 في زمن “السوشال ميديا”، وما يرتبط به من تصوير وتوثيق ومتابعة لكافة التفاصيل واللحظات أولا بأول؛ أصبح من الصعب الحفاظ على مساحة الخصوصية.
وفي الوقت الذي يصبح فيه كل شيء خارج “المساحة الآمنة” في حياة الشخص، فإن ذلك يعني أنه أصبح غير قادر على التحكم في تفاصيل عدة، وتتضاءل قدراته على التفكير السليم والواضح، بعكس القادر على التحكم بمساحته الخاصة. ويذهب الاختصاصي الأسري مفيد سرحان إلى أن الجميع لديه مساحته التي لا يرغب أن يطلع عليها الآخرين، وتختلف من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر، فهنالك أمور خاصة بالشخص قد يجد حرجاً في اطلاع غيره عليها حتى أقرب الناس إليه. وفكرة “الخصوصية” موجودة في جميع الثقافات إلا أن مفهومها ومساحتها ليست موضوع إجماع، غير أنها تعني الرغبة في المحافظة على بعض الأمور وعدم الكشف عنها.
هامش معين من الخصوصية، يمنح الشخص قدرة أكبر على الاستقلالية بالقرار ويقلل من مساحة تأثر الشخص بضغوطات الآخرين، وبالتالي قدرة أكبر على الاختيار. وهذا يعني أنه مستعد لتحمل مسؤولية خياراته.
ويرى سرحان أن الاحتفاظ ببعض الخصوصيات يمنح الشخص حرية أكبر في التعامل وتنويع العلاقات وقدرة أكبر على استمرار تقييم الذات، ومراجعة التصرفات والسلوكيات الشخصية، وأحياناً فإن الاحتفاظ بالخصوصيات يمنح الشخص قدرة أكبر على التفكير العميق وتقليب الأمور لأنه يعلم أن ما يفكر به ملكاً له.
ووفق ما يقوله، فإن معرفة جميع التفاصيل عن الشخص تجعله غالباً حريصاً على “مسايرة” الناس بسبب ضيق مساحة الحركة الذاتية لديه وصعوبة التوفيق بين رغبات الآخرين حتى لو لم توافق قناعاته، أو أن “يحركه” الآخرون دائماً وألا يكون “مستباحاً”.
والخصوصية تساهم في تنظيم علاقة الفرد بغيره وعلاقته بالمجتمع وهي تمنح الشخص قدرة أكبر على التوازن في العلاقات الاجتماعية وإدارتها وتجعله أكثر مرونة في التراجع عن الأخطاء وتعديل مواقفه وعدم الحاجة إلى التبرير.
وكما للفرد خصوصياته، فإن للأسرة أيضاً خصوصياتها، وكذلك للمؤسسات والمجموعات خصوصياتها التي تعني ألا يطلع على أمورها غير ذوي العلاقة. وأحياناً، بحسب سرحان، هناك تمايز في درجة الخصوصية داخل المؤسسة الواحدة بمعنى أن هناك أموراً لا يطلع عليها الجميع وهو ما يعتمد على طبيعة العمل، وهذا لا يعني الانتقاص من قدر أحد أو أنه غير مؤتمن، فالاطلاع على المعلومات فيه تحمل أكبر للمسؤولية، فضلا عن أن احترام خصوصية الآخرين مهم جداً لأنه يعني تقدير واحترام رغبات الشخص.
والحرص على الخصوصية لا يعني “الغموض” فهي ليست مطلقة بل هي في أمور معينة لأن الشخص الغامض لا يرتاح الآخرون في التعامل معه. ومن حق الأهل الاطلاع على ما يعينهم في متابعة سلوك الأبناء وتوجهاتهم بالقدر المناسب.
وكلما كانت العلاقات أكثر قوة وديمومة كما في العلاقات الزوجية والعلاقات بين الأبناء والآباء تقل مساحة الخصوصية لكنها لا يمكن أن تلغى. ومن المهم شعور كل من الزوجين باحترام خصوصيات الآخر وهذا يتطلب وجود الثقة المتبادلة وهي من أهم مقومات نجاح الحياة الزوجية.
ويذهب الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة، إلى أنه لا يمكن أن يكون كل ما لدى الإنسان مستباح ومنشور، فكل شخص له مساحته التي يتعامل بها مع نفسه وتحقق له احتياجاته فكلها أشياء خاصة لا يمكن لأحد أن يطلع عليها، وهي ليست غموض على العكس. ويشير إلى أن كل إنسان له دائرته الخاصة التي يحقق بها ذاته، فالناس لا يجب أن تعرف كل شيء فحرية الفرد مصانة ولا يجب الاعتداء عليها مطلقاً.
وللأسف في المجتمع هناك أشخاص فضوليين يرغبون في معرفة كل شيء والوصول إليه، ويفسرون كل شيء على طريقتهم، وكأنهم يقرروا أن طبيعة العلاقة هو معرفة كل شيء عن الطرف الآخر، بحسب مطارنة.
الخصوصية هي جزء من عالم الشخص الخاص وحياته التي يشعر بها بالسعادة والراحة ولا يجب أن يسمح لأحد بأن يتجاوزها على الإطلاق، مبيناً أن الإنسان الطبيعي المتوازن الواثق من نفسه يحدد خصوصياته ويحافظ عليها، فهي جزء من الحياة المستقرة الهادئة.