كان الوباء فرصة ذهبية للتخلص من الأجواء السامة في ثقافة العمل، لكنه جعل كثيرا من الأمور الأخرى أكثر سوءا، فكيف حدث ذلك؟
في يوليو/تموز الماضي، أرسل مارك، الذي يعمل في شركة تكنولوجيا صغيرة في شرق العاصمة البريطانية لندن، بريدًا إلكترونيًا إلى مديرته ليخبرها أنه أصيب بفيروس كورونا.
لم تطرح عليه مديرته أي أسئلة، وبدلاً من ذلك أعربت عن تعاطفها معه وتمنت له الشفاء العاجل وطلبت منه أن يأخذ إجازة من العمل كما يريد حتى يسترد عافيته.
لكن مارك، الذي حجبنا لقبه بسبب مخاوف تتعلق بالأمن الوظيفي، لم يكن مصابًا بفيروس كورونا من الأساس.
في الحقيقة، كان مارك منهكًا وقلقًا، بسبب تداعيات تفشي فيروس كورونا، إلى جانب عمله لمدة 80 ساعة في الأسبوع، وانتظاره على مدار الساعة أي مكالمة هاتفية من العمل للقيام بعمل إضافي، وهي الضغوط التي لم يعد قادرا على تحملها.
كان الرجل البالغ من العمر 40 عامًا يشعر باكتئاب شديد، وكان يشعر بأنه قد يكون على أعتاب الإصابة بإرهاق إكلينيكي خطير.
يقول مارك، الذي يعترف بأنه شعر ببعض الذنب لأنه كذب على مديرته: “في تلك اللحظة، كان من الأسهل كثيرًا القول إنني مصاب بالفيروس.
فهناك وصمة عار حقيقية تلاحق من يعاني من مشاكل تتعلق بالصحة العقلية، إذ تبدأ إثارة الكثير من الأسئلة وإصدار الأحكام. الشيء الجيد الوحيد في فيروس كورونا هو أن الجميع يقبله كسبب للتغيب عن العمل، ويشعر بالأسف تجاهك ثم يمضي الأمر قدمًا”.
وفي أوائل عام 2020، عندما بدأ الوباء ينتشر بسرعة في جميع أنحاء العالم، اضطرت كل الصناعات تقريبًا لتكييف طريقة عملها مع تداعيات الوباء، وحدث ذلك في كثير من الحالات بين عشية وضحاها.
ورأى خبراء في مجال الإدارة أن الوباء ستكون له بعض التداعيات الإيجابية المحتملة، واعتقدوا أن هذه الفترة من التجارب الصعبة والقسرية ستوفر فرصة غنية وفريدة من نوعها للقضاء على بعض العناصر الأكثر سمية في مكان العمل مثل الحضور الشكلي (أي تواجد الموظف في بيئة العمل لأطول وقت ممكن ليبدو متفانياً في العمل>
وإن لم ينجز شيئاً يذكر طيلة تلك الساعات)، وتمجيد العمل الزائد، ومنع الموظفين من التحدث عندما لا تبدو الأمور على ما يرام.
لكن مع إعادة فتح الشركات واستكشافها طرقا مناسبة للعمل بعد انحسار الوباء، هناك أدلة على أنه لا يزال يجب القيام بالكثير للتخلص من الآثار السلبية التي تسبب التعاسة واعتلال الصحة.
وتعد تجربة مارك مجرد مثال قاس وواضح على ذلك.
وعلى مدار سنوات طويلة، كان من المسلم به على نطاق واسع أن العديد من عناصر ثقافة مكان العمل الحديثة سيئة، بل ومدمرة.
وفي العقود القليلة الماضية، أدخلت التكنولوجيا الموجودة في الشركات والصناعات المترابطة عالميًا مستوى جديدًا من المنافسة والسرعة.
إذ أصبح بإمكان الجميع تقريبا العمل من أي مكان وفي أي وقت، وهو ما أدى إلى تمجيد العمل الشاق والعمل الإضافي بشكل خطير.
وبرز إدمان العمل كعلامة على الطموح الجدير بالثناء والالتزام بقضايا الشركات، حتى عندما أصبح من المستحيل تجاهل الآثار الصحية الضارة لعدم التوقف عن العمل.
وكان العديد من الاستشاريين والمديرين وخبراء العمل الذين شهدوا تطور ممارسات العمل، على دراية تامة بهذه التحولات الضارة.
وكانوا يشعرون بالقلق بشأن كيفية إصلاح ما جرى إفساده. لكن قسوة الحياة اليومية لم تمنحنا فرصة كبيرة للتفكير وتغيير هذا الوضع في نهاية المطاف.
ومع ذلك، عندما تفشي فيروس كورونا، اضطرت الشركات في جميع أنحاء العالم إلى التوقف وتقييم الأمور مرة أخرى.