منوعات

لماذا نرتدي الساعات على معصم اليد اليسرى؟

في التاسع من يوليو من عام 1916، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا بعنوان: “المكانة المُتغيرة لـساعة اليد “. وقد كتب المُراسل في مقاله:

“كثيرا ما نشر في الصحف الأوروبية عن موضوع ساعات اليد باعتبارها جزءاً من العدة العسكرية. وقد لفت ذلك الانتباه لأن الحروب الحديثة بيّنت ضرورة معرفة الوقت بالنسبة للضباط والجنود”.

ثم يستمر المقال في مناقشة تفصيلية عن التطور السريع في ساعات اليد، ويكمل المقال: “الأمريكيون كانوا حتى وقت قريب، ينظرون إلى ساعة اليد على أنها مزحة من نوع أو آخر.

كما استخدمها فنانو المسرح الهزلي والمنوعات وممثلو الصور المتحركة، كأداة مثيرة للضحك أو كنوع من الموضة السخيفة”.

انحياز ثقافي

يتابع الكاتب: “اليوم، حيث باتت الجاهزية هي الشعار وأدوات معرفة الوقت تُشكل جزءاً هاماً من عدة الجنود، تتغير كذلك مكانة ساعة اليد.

وقد أصبح المعارضون لها مستعدين الآن للإقرار بقيمة وجود سوار في المعصم يحمل ساعة نصطحبها في الخارج خلال الحياة اليومية عامة، لكنهم، لم يصلو إلى حد يمكنهم فيه ارتداؤها في كافة المناسبات وبصورة مستمرة، بعد السخرية منها لبعض الوقت”.

إذاً، ما الذي حدث بعد ذلك؟ أنت تعرف الإجابة. لقد تلاشت ساعات الجيب التي كانت سائدة وذهبت طي النسيان، واقتصرت على اعتبارها غرضاً فاتناً عند قلة من الناس.

وسيطرت ساعة اليد، لتصبح أداة معرفة الوقت الرئيسية والمنتشرة بين الناس. الذين كانوا يرتدونها على معصم اليد اليسرى في معظم الأوقات.

أحد أسباب انتشار ارتداء الساعة في معصم اليد اليسرى، يرجع لسبب بسيط جداً، له علاقة باستخدام اليد بشكل عام، وعملية الكتابة بشكل خاص.

يستخدم نحو 10% من الناس فقط اليد اليسرى للكتابة، وقد كان أمراً شائعاً في الماضي أن يتم إجبار مستخدمي اليد اليسرى على الكتابة باليد اليمنى في المدارس (مثلاً، ما كان يحدث في نظام التعليم السوفييتي).

هناك أسباب كثيرة لذلك، من بينها الانحياز الثقافي ضد العسر،

وحقيقة أن كثيراً من الأجهزة والأدوات صممت على أساس الافتراض المسلم به بأن اليد اليمنى هي اليد “الصحيحة” للكتابة أو لغير ذلك. آلة فتح المُعلبات الميكانيكية تعد أحد الأمثلة الواضحة على ذلك.

تطور أدوات الكتابة

لذلك يمكن الافتراض بأن السبب وراء فرض استخدام اليد اليمنى له علاقة بفعل الكتابة.

حيث إن الكتابة بالريش وأقلام الحبر السائل، التي كانت سائدة في كتابة المراسلات خلال الفترة الأكبر من القرن العشرين، لطالما اعتمدت على الحبر السائل الذي يجف ببطء.

وفي حال كنت تمسك قلمك باليد اليسرى، وتكتب من جهة اليسار إلى اليمين فإن يدك سوف تطمس الحروف بنفس السرعة التي تكتبها بها.

ولم تبدأ هذه المشكلة بالتلاشي إلا عندما ابتكر لازلو بيرو الأقلام الجافة، التي انتشرت كثيرا مع نجاح قلم “رينولدز” (Reynolds) للحبر الجاف.

أقلام “رينولدز” بدأت تباع في محلات “غيمبلز” (Gimbels) في نيويورك، في شتاء عام 1945 (في فيلم “ذا غودفاذر” (The Godfather) تظهر كاي آدامز، صديقة مايكل كورليون. وهي تشتري أحد هذه الأقلام كهدية عيد الميلاد، لتوم هاغن في العام نفسه).

وهي أقلام تستخدم حبراً جافاً مصنوعاً من الزيت، أقل تعرضاً للطمس والبقع، وهكذا هي كل الأقلام الجافة منذ ذلك التاريخ حتي يومنا هذا.

اليد اليمنى

غير أن مشكلة البقع من الحبر السائل، لم تمثل مشكلة لمستخدمي اليد اليمنى منذ البداية، وفي حال كنت من هؤلاء، فإن معصم اليد اليسرى يصبح مكاناً منطقياً لارتداء ساعة اليد، حيث يجنبك ذلك أي أضرار.

و باعتبار أن 90% من الناس يستخدمون اليد اليمنى بدلا من اليسرى في الكثير من الأشياء بجانب الكتابة، وحتى بعد أن تلاشت أقلام الحبر السائل.

وحلت بدلا منها أقلام الحبر الجاف، ظل ارتداء ساعات اليد على المعصم الأيسر، يبدو منطقياً أكثر بالنسبة لمستخدمي اليد اليمنى.

(استمر البعض بارتداء ساعاتهم على اليد اليمنى بطبيعة الحال؛ وقد كان منهم رائد الفضاء مايكل كولينز، مسؤول وحدة التحكم في السفينة “أبولو 11″، الذي كان أعسراً، ودائماً ما ارتدى ساعته على المعصم الأيمن).

المستقبل

اليوم، انحسرت الكتابة اليدوية إلى حد كبير لصالح لوحة المفاتيح (بإصبع الإبهام في أحيان كثيرة)، وهذا ما يجعلني أتساءل عن وجود اتجاه نحو ارتداء الساعات على معصم اليد اليمنى، لمجرد أن المرء قد يفضل رؤية كيف تبدو، والشعور بها في يده اليمنى.

وبدون الكتابة بخط اليد، تنتهي كثير من الدوافع لارتداء الساعة في المعصم الأيسر، على الأقل بالنسبة لنا ممن يقومون بعمل ذهني بدون دوام، ولا ينتجون شيئاً مادياً في الحقيقة. (أبنائي يحبون تسمية ما أقوم به بأني “أطبع لأكسب عيشي”).

أعتقد أن الخطوة الانتقالية التالية ستكون ارتداء ساعة ذات تاج على اليسار مصممة لارتدائها في معصم اليد اليمنى، في معصم اليد اليسرى، كتدريب على الاختيارات المُختلفة في هذه الأوقات التي تزداد سريالية يوماً بعد يوم.