بشرى نيروخ – يفر كثير من أهل المدن من نمط ضيق العيش في الاكتظاظ البشري والعمراني إلى رحابة الريف، فيجلبونه إلى أسطح منازلهم في هيئة مسطحات زراعية تضفي مسحة جميلةً تكسر حدة الوان المحيط الكالحة وتلوث الصوت والهواء، على حد سواء.
ولأن “رُبّ ضارة نافعة”، فقد أحدثت جائحة كورونا خلال أشهرها العشرين الماضية إزاحة في نمط تفكير سكان المدن، الذين لاذوا بزراعة أسطح منازلهم، هروبا من نمطية العيش في الحظر، فضلا عن كونها تكسر رتابة الحجر والباطون فتوفّرُ بيئة تؤثر إيجابا على المزاج النفسي لأهل البيت، بحسب خبراء ومتخصصين.
ويبين الخبراء لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن زراعة الأسطح تعد ثورة في عالم الزراعة، وتسهم في النهوض بالإنتاج المحلي، فضلا عن تأثيرها البيئي والصحي والاقتصادي.
ويقول نقيب المهندسين الزراعيين المهندس عبد الهادي الفلاحات، إن حاجة الإنسان والمشاكل التي تواجهه دفعته إلى ابتكار طرق زراعية لا تقوم على اشتراط وجود التربة، مستعيضاً عنها بالأوساط البديلة عنها وهو ما يسمى بالزراعة بدون تربة، ذلك أن الهاجس الأول في الأردن يتمثل في شح المياه.
فيما يرى الفلاحات في زراعة الأسطح أسلوبًا مبتكرًا لاستغلال أجزاء من الأسطح سواء في المنازل أو المدارس والجامعات أو المؤسسات والمصالح الحكومية في زراعات يحتاجها الإنسان مثل الخضروات ونباتات الزينة وزهور القطف والنباتات الطبية والعطرية.
وبين أن الزراعة المنزلية بأشكالها كافة، تساهم في توفير جزء من احتياجات الأسرة من التغذية وتعزز سلامة الأغذية وتضفي على المباني والمدن جمالية المساحات الخضراء كما تمنح ممارسيها فرصة لقضاء وقتهم في عمل ممتع ومفيد.
وأشار الفلاحات الى التحديات الرئيسية المتمثلة في ندرة مياه الشرب وحاجة هذه الأنظمة إلى تأسيس جيد وصيانة دورية ناهيك عن الحاجة للتدريب والدراية الفنية التي تضمن النجاحويقول، إن النقابة عقدت الكثير من الدورات في مجال زراعة الأسطح لتكون عونا للشباب على إنشاء مشاريع إنتاجية، واستثمار أوقاتهم وتوفير عمل مجد اقتصاديا لهم، بما يخفف من الآثار السلبية للبطالة.
الدكتورة مسنات الحياري، خبيرة اقتصادية ومديرة مديرية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية في المركز الوطني للبحوث الزراعية، تقول، إن للزراعة الحضرية والأسرية دورا في تحقيق التنمية المستدامة، فبحسب دراسات الفاو فإن نحو 90 بالمئة من المزارع البالغ عددها 570 مليون مزرعة في العالم تقوم بتشغيلها الأسر، كما أن غالبية المزارع صغيرة وموجودة في المناطق الريفية من العالم النامي.
وتوضح، أن الابتكار في الزراعة الأسرية له دور مهم في ضمان الأمن الغذائي العالمي والحد من الفقر والاستدامة البيئية، مشيرة في هذا الصدد إلى أنه من الدروس المستفادة من أزمة كورونا هو التشجيع على الزراعات الحضرية والحدائق المنزلية وزراعة الأسطح لتحقيق الأمن الغذائي ودعم صغار المزارعين.
وهناك العديد من أنظمة زراعة الأسطح منها الزراعة (بالأحواض الغاطسة متعددة الأغراض) وهو نظام زراعي يتم داخل أحواض ذاتية الري، حيث صمم هذا النظام لتزويد النبات بالماء لمدة تصل إلى عدة أسابيع حسب المناخ والموسم والموقع، مشيرة إلى أن الأنظمة الزراعية لها أثر اجتماعي مباشر وتمكين اقتصادي جيد لفئة الشباب والمرأة.
ويلفت الأستاذ المشارك في قسم الأراضي والمياه والبيئة في كلية الزراعة في الجامعة الأردنية الدكتور ميشيل ادوارد راهبه، إلى الانتشار الكبير لزراعة الأسطح في المملكة، مبينا أن هناك العديد من المبادرات الشبابية المعنية بهذا الخصوص، وكذلك من خريجي كلية الزراعة في الجامعة الأردنية، وبدعم من المنظمات غير الربحية.
راهبه يدعو إلى استخدام مصادر أخرى للمياه في ظل شحّها، مثل استصلاح المياه الرمادية وإعادة تدويرها أو الاستفادة من مياه الأمطار ما أمكن، موضحا أن المحافظة على ما تبقى من الرقعة الزراعية وحمايتها من تفتت الملكية والزحف العمراني، أصبح أمرا ملحا للغاية.
أما أستاذ الهندسة الزراعية في كلية الشوبك الجامعية/ جامعة البلقاء التطبيقية، الدكتور محمد النوايسة، أوضح أن زراعة الأسطح تعتبر ثورة في عالم الزراعة، وقد عززتها أزمة كورونا، التي أظهرت أهمية بالغة للإنتاج الزراعي المحلي، والعمل ما أمكن على سد نقص الأغذية وصولا إلى الاكتفاء الذاتي، بما يحقق الأمن الغذائي.
ويلفت إلى ضرورة تنظيف السطح من الآفات والحشرات جيداً، وعزله بالكامل قبل البدء بالزراعة لحمايته من تسرب المياه، ومن ثمّ اختيار المزروعات طبقاً لاحتياجاتها من الشمس، منوها إلى أن النباتات الورقية تحتاج ما لا يقل عن ثلاث ساعات من أشعة الشمس، فيما تحتاج الخضروات الثمرية إلى ما لا يقل عن 6 ساعات من أشعة الشمس فضلا عن اختيار البيئة الزراعية المناسبة.
أستاذ كيمياء الماء والتربة والبيئة في الجامعة الأردنية الدكتور طالب أبو شرار يوضح إمكانية استخدام السطح خلال الفترة الدافئة من السنة في زراعة أصناف مختلفة من النباتات بدءا من المحاصيل العشبية وانتهاء بالأشجار المثمرة والمعمرة كالعنب عند توفير حجم مناسب من التربة، مشيرا في هذا الصدد إلى إمكانية بناء بيت زجاجي، لإنتاج محصول صيفي في فصل الشتاء.
وفيما يتعلق بالتربة، فينصح الدكتور أبو شرار ببناء التربة من خليط مكون من تربة حمراء ورمل صويلح والدبال بنسب تقريبية معينة، إذ يساعد هذا الخليط على حجز العناصر الغذائية والماء، ويسمح بتصريف فائض الماء والأملاح الذائبة وتوفير التهوية المناسبة للمجموع الجذري.
رئيس لجنة التخطيط العمراني في نقابة المهندسين الدكتور خالد المومني، يقول إن التصاميم المعمارية يجب أن تركز على المعالجات الهندسية للأسطح بما يجعلها قابلة للزراعة، بحيث توظف فيها الناحية الجمالية والوظيفية، فضلا عن ترتيب عدد من الحلول التقنية.
ويشير في هذا الصدد إلى ملاحظة قيام بعض الناس بتنسيق سطح المبنى معماريا وحدائقيا، من خلال توفير نوافير وشلالات مياه تتوسط ساحة السطح ونباتات عطرية ومظلات ومقاعد، مستغلين هذه المساحة كملاذ آمن للترفيه لجميع أفراد العائلة وساكني العمارة.
أستاذ هندسة البيئة في جامعة الحسين بن طلال الدكتور عمر علي الخشمان، يشير إلى أن الزراعة الحضرية صديقة للبيئة وتعد حلا ملائما لأزمة المدن الكبرى عالية الكثافة السكانية، وتعتبر مدخلا لتحقيق التنمية المستدامة، اجتماعيا واقتصاديا وبيئيا.
بيئيا، فإن الزراعة الحالية هي زراعة مستهلكة للطاقة ومسؤولة عن ارتفاع تكاليف الطاقة، وفق دراسات تؤكد أن التحول إلى الأغذية المزروعة على الأسطح يوفر انبعاثات مرتبطة بالنقل والملوثات الناتجة عن النقل والشحن، تعادل ما يقارب من 50 ألف طن متري من ثاني أكسيد الكربون، بحسب الخشمان.
ويستطرد حديثه قائلا: إن مترا واحدا من “الأسطح الخضراء” يكفي لتخفيف انبعاثات الجسيمات السنوية من عادم سيارة واحدة، كما تنخفض درجات الحرارة إلى خمس درجات مئوية فيها مقارنة بالأسطح غير الخضراء، موضحا في هذا الصدد أن الزراعة الحضرية تمتاز بتحقيقها العدالة البيئية في الحصول على الغذاء الآمن الطازج الصحي للجميع.
ويضيف: أن زراعة الأسطح تعتمد على اختيار النباتات ذات الأوراق الخضراء التي لا تفقد أوراقها وتبقى خضراء طوال العام، وهذا يزيد من امتصاص ثاني أكسيد الكربون، كما أنها تعمل على تقليل الأوزون والجسيمات والملوثات التي تؤثر على صحة الانسان.
–(بترا)