أمن إف إم. الملازم صفوان الرحاحلة
داخل غرفةٍ صفية في احدى مدارس محافظة جرش تقف طالبةٌ يافعة على وجلٍ بعيونٍ حالمة تتحدث بصوت راعش امام مجموعة من أقرانها ،تتنهد في وجوم ٍ بين الفينة والاخرى، لا تسعفها كلماتها، تختنق حروفها، تلهج بعيون باكية “رحمهما الله“ قضيا إثر حادث مروري، وبلطفمن الله وعنايته نَجوتْ … تابعت بأسىٍ … كنت استقل المركبة رفقة والداي في رحلة قصيرة الى أحد المتنزهات، كان الطقس لطيفاً، والفرحينتشرُ في ارجاء المكان، فجأة لفتنا غيمةً سوداء، أفقت لأجد نفسي مسجية على سريرٍ داخل أحد المستشفيات، وبعد أن تحسنت حالتيالصحية، أخبروني أن والداي فارقا الحياة إثر حادث تصادم سبَّبه سائقٌ مستهترٌ قيل إنه كان يقود مركبته بسرعة جنونية أدت الى خروجهاعن مسارها المحدد وارتطمت بمركبتنا…
جاءها صوت معلمتها يُربت على قلبها “رحمهما الله يا عبير “، ثم استدارت عائدة الى مقعدها تجرُ خطواتٍ وئيدة جلست مكلومةً وفي خلدهاذكريات مريرة لتلك الواقعة.
صورة مقتضبة ومشاهد متنوعة استمعنا لها وعايشناها خلال مبادرة “معاً نصل آمنين” التي اطلقتها مديرية الامن العام للحد من براثنحوادث السير التي ما انفكت تحصد أرواح الابرياء، وتتسبب لآخرين باللوعة والألم، نوثق من خلال هذا التقرير تجربةً مُرةَ المذاق، باهظةالاحساس لضحايا حوادث السير لعلها تجد أُذنً صاغية وضمائر حية .
ويستذكر السائق (أحمد خالد) كيف قاده انشغاله بهاتفه النقال إلى دهس شخصٍ كان يهمُ بقطع الطريق ما لبث أن أرْداهُ كسيحاً، يئن منفرط الالم، يقول : ارتعدت اوصالي وخفق قلبي، ثوانٍ معدودة بقيت قابعةً في ذاكرتي للأبد، مخلفةً مزيجاً من الحسرة والألم والندم، أنتتسبب بكمد الآخرين وجزعهم
أمرٌ في غاية القسوة والمرارة، والانسياق خلف مُلهيات الطريق ضرب من الحماقة وعبث بأرواح الآخرين، أوقاتٌ عصيبة مرت لم يدرك فيهايوماً أن رسالة نصية سترديه خلف القضبان.
قائمة الضحايا تطول، صراع مرير ومعاناة فائقة
فعلى سرير حديدي لبث ( جمال اسعد) منذ عشرين عاماً لا يحرك ساكناً، سلبت منه قدرته على النطق و الحركة، يستذكره والده شاباً يافعاًفي بداية مرحلة دراسته الجامعية، يقول والده : “كان يحث الخطى بشغفٍ نحو حياةٍ واعدة، قضت أحلامه بعد أن دوى صوت ارتطام رأسهبمرآة حافلة نقل عمومي كانت تسير كالبرق الخاطف، ثم ساد صمت رهيب رافقه منذ ذلك الوقت، أصيب بشلل رباعي أرداه طريحاً لا يحركساكنا يناجي أحلاماً وردية البتلات قطفها بلا رحمةٍ سائق أهوج“.
وفي مشهدٍ يستنزف المشاعر تسير مركبة بسرعة فائقة تتعرض لحادث تدهور وتصطدم بحاجزٍ اسمنتي في منطقة مثلث المشيرفة، بلاغ يردُالى مديرية دفاع مدني جرش يفيد بوقوع الحادث، تتحرك الكوادر الى الموقع المحدد، يقول المسعف علاء الخوالدة “خمسُ دقائق كانت كافيةلوصولنا إلى موقع الحادث ، ترجلت الكوادر من سيارات الاسعاف تحمل المعدات اللازمة وهرولت بسرعة خاطفة باتجاه المركبة التي تخضبتبالدماء، كان مشهد مرعباً ثمة عائلة محاصرة داخل المركبة واطفال يستنجدون ، تشاركت الكوادر عمليات الانقاذ، استطعنا تحرير سائقالمركبة وزوجته وثلاثة اطفال كانوا بصحة جيدة، سارعتُ بتقديم الاسعافات الأولية لهم إلا أن رب الأسرة كان قد فارق الحياة، وقبل وصولناالى المستشفى بدقائق كانت الزوجه قد التحقت بزوجها ، لازالت كلمات الاطفال “يا عمو بابا، يا عمو ماما” قابعةً في ذاكرتي، تقطع نياطالقلوب“.
ووفق رئيس قسم سير محافظة جرش الرائد فايز السقار فإن إحصائية حوادث السير في المحافظة لغاية شهر آب لعام ٢٠٢١ م بلغت ١٥٩٢حادثًا مروريًا مابين صدم ودهس وتدهور، في حين نتج عن هذه الحوادث ١٤٨٣ ضرراً مادياً، فضلاً عن الحوادث التي لا توثَّق عندما يتمالتوافق بين طرفي الحادث.
وكشف السقار عن ١١ وفاة سجلت جراء هذه الحوادث، و ٣١٤ اصابة تراوحت مابين البالغة والمتوسطة و البسيطة، مبينًا أن أخطاء السائقينالمشتركين في الحوادث المرورية تتنوع ما بين عدم ترك مسافة أمان أثناء المسير (التتابع القريب)، ومخالفات المسارب، وتجاوز السرعةالمقررة، والتعامل مع المنعطفات بشكل خاطئ وغيرها.
ويستذكر مدير مستشفى جرش الحكومي الدكتور صادق العتوم عديد الحوادث التي يستقبلها المستشفى، قائلاً : “هذه الممرات في قسمالطوارئ شاهدة على أتون حوادث السير، مشاهد تعتصر القلب، من أنين وبكاء وصراخ والبعض قد يفارق الحياة ، فهم يدفعون حياتهم ثمنقيادة مركباتهم“ .
ويقول العتوم : إن حوادث السير وخطرها القابع على الطرقات لازالت تؤرق المجتمع وتستنزف جهود الكوادر الطبية، فالتكلفة المالية التيتنفق شهريًا على معالجة مصابي الحوادث المرورية في المستشفى تقدر بعشرات آلاف الدنانير ، فضلاً عن ما تخلفه من أضرار جسديةونفسية طويلة الأمد.
ويضيف العتوم أن الحوادث المرورية تشكل ضغطًا عَلى إمكانيات المستشفى المادية والبشرية، نظرًا لموقعه على طريق دولي يشهد حوادثمتكررة يجري اسعافها الى المستشفى للكشف الطبي وتلقي العلاجات اللازمة، حيث يحتاج بعضها الى تدخل جراحي مما يؤدي الىإرباك عمل الكادر الطبي والتأثير على العمليات المبرمجة،مشيرًا أن حوادث دهس الاطفال تشكل نسبة مرتفعة من حوادث المرور التي يتماسعافها والتعامل معها في المستشفى.