كانت الطاقة المتجددة إحدى استشرافات جلالة الملك عبدالله الثاني للمستقبل في رسالته للأردنيين الأحد الماضي بمناسبة عيد ميلاده الستين، والتي أعاد جلالته أهمية التركيز عليها لمواكبة التحول العالمي الى قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة، في إشارة واضحة الى توجيه الحكومة لوضع الخطط والبرامج لدعم هذا القطاع.
وينسجم الاهتمام الملكي في ذلك مع توقعات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “آيرينا” بأن تسيطر الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والطاقة الحيوية الحديثة على عالم الطاقة في المستقبل بحلول 2050.
التوجيه الملكي بهذا الخصوص يؤشر وبوضوح الى ضرورة استغلال موقع الاردن الاستراتيجي وتعزيز مكانته كبوابة رئيسية للاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط.
وجاء الاردن ضمن قائمة الدول الأكثر جاذبية في قطاع الطاقة المتجددة، بحسب مؤشر أصدرته شركة “إرنست آند يونغ” في شهر تشرين الأول الماضي، وحل في المركز الثالث ضمن الدول العربية والمركز 38 ضمن تصنيف دول العالم، حيث سجل الأردن 51.5 نقطة.
ويؤكد وزير الطاقة والثروة المعدنية الدكتور صالح الخرابشة بهذا الخصوص أن التوجه نحو الطاقة الخضراء خيار استراتيجي للمملكة لرفع مساهمة الطاقة المتجددة في خليط الطاقة الكلي وزيادة مساهمتها في انتاج الكهرباء.
وبحسب أمين عام الهيئة العربية للطاقة المتجددة محمد الطعاني، فإن الاردن من أوائل الدول العربية في التحول الطاقي من خلال مساهمة الطاقة المتجددة بنسبة تفوق 20 بالمئة.
الخبير هاشم عقل قال، ان حديث جلالة الملك بأهمية الطاقة المتجددة قراءة عميقة لمستقبلها ويجب الاستفادة من دعم جلالته لهذا القطاع.
وتسعى استراتيجية وزارة الطاقة والثروة المعدنية الى زيادة نسبة الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة في المملكة للوصول إلى أكثر من 50 بالمئة بحلول عام 2030، في اطار سياسة الاعتماد على الذات وتعزيز المصادر المحلية من الطاقة.
ويعتبر تخزين الطاقة التحدي الأكبر الذي يواجه قطاع الطاقة المتجددة حاليا، حيث رأى الوزير الخرابشة في تصريح سابق ان تجاوز هذا التحدي يكون بالاستفادة من تجارب دول متقدمة مثل المانيا والتي ابدت استعدادها لإسناد الجهود الأردنية لرفع نسبة الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة.
ويؤشر الخرابشة كذلك الى امكانية تحويل شبكات النقل والتوزيع إلى شبكات ذكية ما يرفع قدرتها على استيعاب المزيد من الطاقة المتجددة، بالإضافة الى تعزيز مشاريع الربط الكهربائي مع دول الجوار ما يسهم في تعزيز استقرارية الشبكة الكهربائية وزيادة قدرتها على استيعاب المزيد من مشاريع الطاقة المتجددة.
ويؤكد ذلك توقيع الأردن ولبنان وسوريا اخيرا على عقد تزويد الطاقة الكهربائية واتفاقية العبور اللازمتين للبدء بتزويد الطاقة الكهربائية من الأردن الى لبنان عبر الشبكة الكهربائية السورية، وكذلك مشروع الربط الكهربائي الأردني العراقي المتوقع خلال العام الحالي، والربط الكهربائي مع مصر، ومذكرة التفاهم لرفع قدرة تزويد الجانب الفلسطيني بالطاقة الكهربائية، ومشروع الربط الكهربائي بين الأردن ومصر والخليج.
ويأتي توقيع هذه الاتفاقيات ضمن سلسلة مشاريع تقوم بها شركة الكهرباء الوطنية لتعزيز منظومة الربط الكهربائي مع الدول العربية المجاورة.
وتركز الاستراتيجية الشاملة لقطاع الطاقة للأعوام 2020- 2030 التي أعلنتها الوزارة العام الماضي على استمرار توليد الطاقة الكهربائية في المملكة؛ اعتمادا على الغاز الطبيعي ومشاريع الطاقة المتجددة والمشاريع الأخرى الملتزم بها.
وفيما يتعلق باستمرار العمل على زيادة مشاركة مشاريع الطاقة المتجددة والبديلة في تغطية احتياجات المملكة من الطاقة الكهربائية، تضمنت الخطة التنفيذية تخصيص (200 م.و) لغايات تغطية الاستهلاكات للمستهلكين النهائيين من مختلف القطاعات وبحسب أولويات تحفيز الاقتصاد الحكومية من خلال تجمعات باستطاعة (20 م.و) وبحد أدنى للتجمع الواحد تقام على أراض حكومية يجري تخصيصها لهذه الغاية.
وتوزع هذه الاستطاعات على السنوات 2021- 2025 وبحسب الاستطاعة المتوفرة على الشبكة، إضافة الى تخصيص (200 م.و) باستطاعة (50 م.و) وبحد أدنى للتجمع الواحد تقام على أراض حكومية يجري تخصيصها لهذه الغاية وتوزع على السنوات 2026- 2030 وبحسب الاستطاعة المتوفرة على الشبكة.
كما تضمنت الخطة تخصيص (200 م.و) كمشاريع لأغراض تغطية حاجة النظام الكهربائي، وفقا لنتائج الخطة الشاملة للنظام الكهربائي خلال الفترة من 2025- 2030، وتوجيه الدعم لصغار المستهلكين والمنتفعين من صندوق المعونة الوطنية لتركيب أنظمة طاقة متجددة لتوليد الكهرباء لمنازلهم خلال الفترة من 2020- 2030، بالإضافة إلى إجراء دراسات جدوى توليد الكهرباء من الطاقة النووية لما بعد 2030 وحسب حاجة النظام الكهربائي.
وبحسب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة فإن حصة الكهرباء التي يتم توليدها من مصادر الطاقة المتجددة في الأردن ارتفعت إلى 20 بالمئة عام 2021 مقارنة مع (0) بالمئة عام 2014.
وبحسب احدث تقرير لشركة الكهرباء الوطنية بلغت الطاقة الكهربائية المشتراة من مشاريع التوليد التقليدية 15768 جيجاواط/ساعة، توزعت على النحو الآتي: شركة توليد الكهرباء المركزية 522، شركة السمرا لتوليد الكهرباء 6372.2، شركة توليد شرق عمان (المناخر) 2610.9، شركة توليد القطرانة 2658، شركة عمان آسيا للطاقة الكهربائية 297.1، وشركة (آيس ليفانت هولدنغ) 406.1، ومحطة توليد الزرقاء 2901.7.
ومن مشاريع الطاقة المتجددة بلغت الطاقة الكهربائية المشتراة 3024 جيجا واط/ ساعة، وطاقة الرياح 1378.8، الطاقة الشمسية 1645.2، ومصادر اخرى 21.6.
واكد المهندس الطعاني ان موقع الأردن الجغرافي يعتبر محفزا اقتصاديا لمستقبله في التحول الطاقي على مستوى منطقة الشرق الاوسط والربط الكهربائي مع كل الدول العربية، والعمل على تطوير البنية التحتية للكهرباء من اجل انشاء المدن الذكية والسيارات الكهربائية والشبكات الذكية.
وقال، إن الاستثمار في هذا القطاع يوفر فرص عمل خضراء للشباب، مؤكدا ان الاردن يزخر بالكفاءات الفنية المدربة والشركات المؤهلة لرفد الاقتصاد الاخضر في الأردن والوطن العربي.
ودعا الخبير هاشم عقل الى تسهيل عملية الحصول على الطاقة المتجددة باقل التكليف وتوفير التمويل اللازم وايجاد سعة تخزينية للطاقة المنتجة وتقديم حوافز وتسهيلات لتشجيع التحول الى الطاقة البديلة، والغاء الحظر المفروض على الطاقة البديلة.
واكد اهمية الطاقة المتجددة في تقليل خروج العملات الصعبة لاستيراد البترول ومشتقاته بحيث يستفاد منها في مشاريع تسهم في تخفيف البطالة، داعيا الى تشجيع السيارات الكهربائية بإلغاء كافة الرسوم والضرائب حفاظا على البيئة والمال.
ومن اهم فوائد الطاقة المتجددة بحسب هاشم عقل: الحفاظ على بيئة نظيفة خالية من التلوث، وايجاد فرص عمل تسهم في خفض البطالة، بالإضافة الى الاعتماد على المصادر المحلية وتجنب تقلبات اسعار النفط .
وكانت ورقة عمل للهيئة العربية للطاقة المتجددة “أريك” أوصت بتعميم التجربة الأردنية بالطاقة المتجددة وكودات المباني في الأردن على باقي الدول العربية للاستفادة من التجارب والخبرات الموجودة في قطاع الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة.
ودعت الورقة التي جاءت بعنوان “ثورة الجيل الرابع للطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي.. مدخل للتنمية المستدامة في الوطن العربي الحالة الأردنية” الى عدم إدخال أنظمة الطاقة المتجددة في الدول العربية كموضة كي لا تكون هناك مشكلة فائص إنتاج في الطاقة المتجددة ما يعتبر هدرا للاقتصاد الوطني في الدول العربية.
وثمنت الهيئة العربية للطاقة المتجددة توجيه جلالة الملك عبدالله الثاني بضرورة تحفيز قطاع الطاقة المتجددة في الأردن.
وطالبت بإعادة هيكلة القطاع في الأردن ليأتي منسجما مع الرؤى الملكية وان تنعكس على حياة المواطنين وان يتاح لهم تركيب أنظمة الطاقة المتجددة بدون تصاريح، واعفاء السيارات الكهربائية من كل الرسوم وتحفيز المواطنين على امتلاكها.
واشارت الهيئة الى ضرورة اجراء تطوير كلي وشامل للبنية التحتية للكهرباء خصوصا بعد الاحوال الجوية الاخيرة ومراجعة استراتيجية الطاقة بوجود خبراء من كل القطاعات المستهلكة والمنتجة والمطورة وان يكون لمؤسسات المجتمع المدني دور رئيسي في تطوير قطاع الطاقة.
وأكدت ضرورة استحداث وزارة للانتقال الطاقي والتنمية المستدامة تكون منسجمة مع توجيهات جلالة الملك بوصول الدعم الى مستحقيه واستخدام الطاقة المتجددة كأدوات لتطوير المجتمع الاردني وعمل مشاريع زراعية وصناعية تعتمد على الابداع والابتكار والتطوير والإنتاج بالطاقة المتجددة.
وقال تقرير للوكالة الدولية للطاقة المتجددة إن الهيدروجين الأخضر سيصبح الأكثر طلباً لتوليد الكهرباء ليمثل نسبة تعادل 30 بالمئة من إجمالي الاستهلاك في العام 2050، وهو مساوٍ تقريباً لمستوى إمداد الكهرباء في العالم في الوقت الحالي.
كما أن أهمية الطاقة الحيوية وتقنيات إزالة الكربون في قطاع الصناعة، ستزداد تفاديا لانبعاثات الكربون بالكامل بدلاً من حجمها المحدد لوقف ارتفاع درجات الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية.
ووفقا للتقرير تشكل حلول الطاقة المتجددة 90 بالمئة من حلول إزالة الكربون في العام 2050 مع توفير إمداد مباشر من الطاقة الكهربائية منخفضة التكلفة عالية الكفاءة والمولدة من طاقة متجددة للاستخدام النهائي، إضافة إلى الهيدروجين الأخضر.
وبحسب التقرير لم يتجاوز حجم الاستثمارات المخصصة للطاقة النظيفة 1.8 تريليون دولار.
وعالميا، قالت وكالة الطاقة الدولية في توقعات لسوق الطاقة المتجددة إن من المتوقع إضافة قدرة جديدة بنحو 280 جيجاوات عام 2022.
ويشير احدث تقرير للوكالة الدولية الى ان الطاقة المتجددة ستمثل نحو 95 بالمئة من القدرة على انتاج الكهرباء في العالم من الان وحتى نهاية 2026 وان الطاقة الشمسية ستسهم بنصف هذه الزيادة.
وللبقاء على المسار المستهدف لعام 2050 يجب ان تكون قدرة الطاقة المتجددة العالمية اعلى بنسبة 80 بالمئة من معدل النمو الحالي بحلول عام 2026، وحسب وكالة الطاقة الدولية يجب ان تتضاعف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح خلال السنوات الخمس المقبلة.
وتعد الالواح الشمسية الكهروضوئية هي الخيار الاقل تكلفة لإضافة سعة كهربائية جديدة على نطاق المرافق، كما تعد محطة “بينونة”، التي تطورها شركة أبوظبي لطاقة المستقبل “مصدر” بقدرة إنتاجية تبلغ 248 ميجاواط من اكبر محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية في الأردن.
–(بترا)