منوعات

حب الوالدين “المشروط” للأبناء.. هل يؤذيهم ويتسبب لاحقا بأزمات نفسية؟

الاثنين: ٧/١١/٢٠٢٢ – يعود الشاب محمود علي (27 عاما) بذاكرته إلى الوراء حينما كان طفلا صغيرا، وبخيبة وألم يسترجع علاقته بوالده الذي لطالما أفقده الثقة بنفسه وأشعره بأنه شخص فاشل فقط لأنه لم يكن متفوقا كما كان يريد.
وأكثر ما يحزنه هو أن والده كان، ومن دون أن يقصد، يشعره بأنه لا يستحق حبه وأن أخته الأصغر منه أجدر بأن تكون أقرب له منه لكونها متفوقة ومطيعة وهادئة، وهذا ما جعل محمود يكبر وفي داخله غصة، فهو لم يستطع أن يكون على قدر توقعات والده التي حرمته الراحة منذ أن كان طفلا وحتى الآن؛ حيث حولته لشخص محبط وتعيس طوال الوقت يخشى الرفض دائما وكثيرا ما يجلد نفسه ويؤنبها.
حاول محمود أن ينجح في أمور أخرى غير الدراسة، لكنه في كل محاولاته لم يجد نتيجة ترضيه ربما لأنه لم يتعود الرضا بسبب سقف التوقعات العالي، فالوالد لم ينظر لإمكاناته التي قد تختلف عن غيره وأن حبه له يجب أن يكون لذاته أولا قبل كل شيء.
عندما تتحول العلاقة بين الوالدين والأبناء إلى حب قائم على الشروط وانتظار المقابل في كثير من المواقف، فذلك يعني زوال الشعور بالأمان، وتصبح مشاعر الحب مرتبطة بما يتم تقديمه للفوز بهذا الحب. ولأن هذه العلاقة من أصدق الروابط وأعمقها على الإطلاق، يفترض ألا تخضع لأي حسابات من شأنها أن تشوه شكل الحب وقيمته في أعين الأبناء.
هبة عمران (14 عاما)، تعيش هي أيضا في حيرة وسط دوامة من الأسئلة التي باتت ترهقها كطفلة، فهي دائما خائفة من أن تفقد حب والدتها لها، لذا تظل قلقة وتسعى لأن ترضي الجميع وخاصة والدتها، ولو كان ذلك على حساب سعادتها.
شروط كثيرة تفرض عليها يوميا تمنعها من أن تخفق أو تفكر بالتعبير عما تشعر به، فالحب عند والدتها مرهون بمدى طاعتها لها واستماعها لكلامها وتنفيذ أوامرها من دون اعتراض أو توضيح لرأيها، الأمر الذي يجعلها حزينة منطوية وصامتة تخشى التحدث. ومؤخرا، باتت هبة ترى أن الحب يحتاج منها لأن تقدم المقابل دائما، فقد تشوه مفهوم الحب في عينيها وأصبح مرتبطا فقط بالمصلحة وذلك في كل علاقاتها.
بينما الطفل كرم خليل (11 عاما)، يدخل في حالة هستيرية من البكاء والصراخ كلما حصل على علامة ناقصة، والسبب في ذلك يعود لوالديه اللذين يلومانه بشدة ويشعرانه بغضبهما منه وبأنه غير محبوب لديهما لمجرد أنه لم يحصل على علامة كاملة، “إنت مش شاطر”، “ما بتستاهل الهدية”، هذه العبارات وغيرها حرمت كرم من أن يعيش طفولته بأمان، إذ جعلته مكبلا بالخوف ويرى نفسه مرفوضا من الجميع لا أحد يحبه، حسب رأيه.
لذلك، لم يعد كرم يهتم بكل ما يقدم له، ما يعنيه هو إيجاد طرق يستطيع من خلالها كسب محبة والديه وحنانهما ولا يهمه أبدا ما الطريقة أو من سيؤذي، وفي كل مرة يخسر أو يخفق ويتعامل مع نفسه بقسوة وكره.
الخوف من الرفض دائما والسعي لكسب الحب مهما كان الأسلوب، أكثر أنواع الأذى خطورة على الأبناء الذين يواجهون طرقا تربوية خاطئة اعتقادا منهم أن فرض الشروط في حبهم لأبنائهم سيبقيهم خائفين من أن يخسروا ذلك الاستحقاق في حال لم يكونوا كما يريدونهم أكثر نجاحا والتزاما، ويكون هذا غالبا عن غير وعي أو قصد، فتصبح العلاقة بين الطرفين غير سوية لأن حب الوالدين لأبنائهما هو في الأساس حب غير مشروط.
الاستشاري النفسي والأسري الدكتور أحمد سريوي، يبين أن من الأخطاء الشائعة التي يقع بها بعض الوالدين أن يقوموا بربط حبهم لأبنائهم بمقدار ما يستطيع إنجازه في الحياة، مثل تحصيله الأكاديمي في المدرسة أو بتعلم حرفة معينة أو حتى بممارسة هواية أو رياضية. وفي حال أخفق الطفل في تحقيق مراد الأهل، فإن الحب يتوقف والمعاملة تتغير وقد يصل الأمر حد العقاب. ويفترض، وفق سريوي، أن يكون حب الوالدين لأبنائهما غير مشروط، وألا يرتبط بأي أمر آخر، وغير ذلك فهو خطأ تربوي فادح.
العلاقة الوالدية مع الأبناء من الضروري أن تنطوي على مشاعر حب ودعم نفسي ومساندة سواء كان الإنجاز هو ما يتمناه الوالدان أو لا، وسواء استطاع الابن تحقيق مرادهما أو أخفق بذلك.. لا يعلم هؤلاء الآباء أن الأطفال حينما يكبرون على مثل هذه التصرفات الأبوية فإن الطفل يعاني من نقص بالثقة بالنفس وقلق الإنجاز والتقدم في الحياة، ويمكن أن يعاني من بعض الاضطرابات النفسية في الشخصية مثل اضطراب الشخصية القلقة أو اضطراب الشخصية التجنبية على حد سواء.
ولكن بالمقابل، فإنه يجب تشجيع الأبناء على ما يرغب به الآباء بطريقة تحفيزية ومحببة من خلال إظهار الإيجابيات، وتوفير الوقت والمعدات اللازمة لهم ومن خلال ترك الخيار لهم في القرار بالمضي قدماً في ذلك أو الانسحاب منه لو كان على غير هواهم، فإن لهذا الأمر تعزيزا لعلاقتهم وتقوية روابط الحب غير المشروطة بين الآباء والأبناء.
ومن جانبها، ترى الاختصاصية النفسية أسماء طوقان، أن الحب غير المشروط للطفل هو أن تحب طفلك وتتقبله كما هو دون أن يفعل شيئا، وليس كما تريده أنت بأن يكون الطفل المثالي الذي رسمته بمخيلتك. ولهذا الحب تأثير إيجابي في حياة الطفل وفي تكوين شخصيته، فإن تقبل الطفل وعدم مقارنته مع أقرانه أو انتقاده الدائم يزيد من قوة العلاقة بينه وبين والديه وأيضا يزيد من ثقته بنفسه، ولا يسعى في المستقبل للتنازل عما يرغب أو يحب من أجل كسب رضا الآخرين، ويعمل جاهداً على تقديمهم على نفسه لأنه اعتاد الحب المشروط وعدم رفض أي طلب قد يطلبه منه الآخرون حتى لا يخسرهم.
وبدلا من مقارنته وانتقاده، ينبغي تشجيعه على العمل بشكل أفضل وتحفيزه وخاصة في الجانب الأكاديمي، فالكثير من الآباء يربطون حبهم لأبنائهم بتحصيلهم الأكاديمي، فإن لم يحصل على علامة كاملة يقومون بمعاقبته سواء لفظيا كأن يقول الأب لابنه “أنا لم أعد أحبك” بسبب هذه العلامة ويرفض التحدث معه أو توبيخه أو عقابه جسديا بالضرب.
وهنا وفق طوقان، يتشكل في عقل الطفل أن الحب لدى والديه مرتبط بعلاماته، فيشعر بالخوف وعدم الأمان ويدخل في دوامة القلق والخوف من الامتحانات أو قد يقوم بالغش أو التزوير ليحصل على حب والديه بطرق ملتوية لعدم قدرته على تحصيل علامات كاملة، لذلك على الوالدين التأكيد لطفلهما دائما أنهما يحبانه كما هو ومهما حدث، حتى وإن غضبا منه فهما ينزعجان من سلوكه وليس منه هو كشخص، وأنه عندما يعاقب فهو يعاقب على سلوكه الخاطئ وليس لأنهما لا يحبانه.
ومن أهم الأمور التي تساعد على استمرارية الحب غير المشروط من قبل الوالدين لأطفالهما، أن يضعا نفسيهما مكان الطفل، كذلك عدم محاولة تغييره واحتواء نقاط ضعفه وتطوير نقاط قوته وتفهم مشاعره واحترام اختياراته وآرائه ومساعدته وتوجيهه بأسلوب محبب ومشجع.
والحب غير المشروط لا يعني عدم الحزم في بعض الأمور والتجاوز عن الأخطاء، ولكن توجيه الطفل عندما يخطئ من دون ربط الحب بما حصل، فالأطفال دائما بحاجة للتأكد من أنهم محبوبون من والديهم.