منوعات

الشخصية المسالمة تتأرجح بين الضعف والحكمة بعيون الآخرين

الخميس: 8/12/2022 – لطالما كان فادي (29 عاما) شخصا مسالما في تعامله مع المحيطين به، ولكن هذه الصفة أدخلته في دائرة الضعف بنظرهم؛ إذ إن هذا التساهل والتسامح مع الآخرين وتقديم الفرص جعلهم يعتقدون أنه سهل الانقياد لأي جهة، متناسين بذلك أنه يمتلك أفكاره وآراءه الخاصة، وهذا ما جعله يتغير في تصرفاته ويخفف من سلوكياته السلمية، ويقول معبرا “أنا لست ضعيفا.. بالعكس لدي القوة والقدرة على إظهار الوجه الثاني”.
ويفسر فادي شخصيته بأنه يحب أن يقدم الأعذار لغيره من باب مراعاته للآخرين وتقديرا لظروفهم، ولكن حسن النية جعل الكثيرين يعتقدون أنه بلا شخصية وضعيف، وقد تعرض لمواقف كثيرة جعلته يدرك هذه الحقيقة، التي أثرت عليه سلبا في حياته وعمله.
ويشرح فادي أنه اضطر الى أن يغير من تصرفاته بالرغم من صعوبة أن يبدل الإنسان من شخصيته، ولكنه فعل هذا ليحمي نفسه وليلغي هذه النظرة العامة بالضعف، واختار ألا يظهر هذه الشخصية المسالمة إلا لمن يستحق وأن يخرج شخصيته القوية في كل من ينظر له بضعف.
لكل منا في هذا العالم أفكار وصفات مختلفة تميزنا عن بعضنا بعضا، فما نحبه قد يزعج غيرنا، والعكس صحيح، وتلك الأمور هي التي تكون شخصة الفرد وتجعله متفردا عن الآخرين، ولذلك تتعدد أنواع الشخصيات التي نراها في حياتنا لتطغى النظرة العامة وتسقط عليهم صفات قد تؤثر في حياتهم سلبا.
ويعتقد البعض أن امتلاك الفرد شخصية مسالمة يضعه في دائرة الضعف ويفقده وزنه الحقيقي في هذه الحياة المليئة بالتحديات والمعارك، ما يعرضه للخسارة أو للأذى، في الوقت الذي يأخذ فيه الحياة ببساطة، وقد يكون هذا السلام في شخصيته المانع من التفوق في حياته وعمله ليقف في مكانه دون حراك ما لم يتدارك الوضع. 
وفي تعريفات متعددة لهذه الشخصية المسالمة، تبين أن أصحابها يمتازون بالمسالمة والمصالحة مع الذات وعدم حب المشاكل، إضافة الى الهدوء والنظرة التفاؤلية تجاه الأمور وتميزهم بالصفات النبيلة والتسامح وتجاوز أخطاء الناس المقربين لهم، ويتم التعامل معهم من خلال التشجيع الدائم والمستمر والمحافظة على معنوياتهم المرتفعة قدر الإمكان.
ومن الجانب النفسي، يبين الاختصاصي علي الغزو، أن المشكلة تكمن في نظرتنا للآخرين وعدم القدرة على فهم الشخصيات بالشكل الصحيح، فليس بالضرورة أن تكون الشخصية المسالمة ضعيفة أو يمكن استغلالها، ولكن البعض ينظر لها هكذا.
ويوضح الغزو أن كل شخص يفهم الشخصية المسالمة ويعرفها بطريقته الخاصة معتقدا أنها ضعيفة، بينما قد يمتلك شخصية قوية، ولكن هو اختار أن يقوم بمعاملة الأمور بحكمة، وكذلك يتعامل مع المواقف والسلوكيات والأشخاص، وطريقة تفكيره قائمة على البحث عن الطريقة الأقل ضررا، كما يحاول أن ينظر للأمور من منظار إيجابي ويبتعد عن السلبية لمعالجة الأمور بحكمة ومنطق مع الابتعاد عن إلحاق الضرر بالآخرين أو بنفسه.
ويعرف الغزو الشخصية المسالمة بقوله “الإنسان الذي يحكم عقله والمنطق بتفكير سليم مبني على أمر صحيح”، موضحا أن هذا الأمر لا يمنعه من إظهار الجانب القوي بشخصيته عند الحاجة لذلك، لكن طابعه العام الهادئ يجعله يتعامل مع الأمور بهدوء، فهو يرى سعادة وراحة في هذا.
ويشير الغزو الى أن الشخصية المسالمة إذا تم استغلالها، قد تنقلب الأمور بشكل سلبي أكثر من الناحية النفسية وتتغير نظرة الشخص المسالم لنفسه ونظرته تجاه الآخرين، مبينا أن طريقة علاجها سهلة وبسيطة بأن يحاول أن يتعامل مع الأشخاص بالمنطق والتفكير الذي هم ينظرون به “المعاملة بالمثل”، فهو بالتأكيد لن يلحق الضرر بأحد لأن طبعه مسالم ولا يحب الأذى وبإمكانه في مواقف كثيرة أن يثبت للآخرين أن لديه جانبا آخر من شخصيته وليس كما ينظرون له، مؤكدا بذلك أن الدور الأكبر يقع على المسالم، لأن الآخرين كلما نظروا له ولم يجدوه يدافع عن نفسه ويظهر الشخصية الأخرى وأن هنالك جانب قوة في شخصيته سيبقى ينظر له بالضعف وقد تكبر الدائرة. 
ويذكر الغزو أن الشخصية المسالمة نوعان؛ شخص مسالم لا مبال، وهذا يعني أنه لا يكترث لأي أمر يدور حوله ولا يعنيه وهذا “مسالم ولكن سلبي”، وهذا النمط بالتأكيد ليس لديه بعد نظر ويفتقر للكثير من المهارات ويلحق الضرر بنفسه قبل الآخرين، فهو تحت مظلة السلبية ولا يسعى لتصحيح أو تعديل مسار حياته أو شخصيته، والنوع الآخر مسالم ولديه معرفة ومهارات وقدرة التعامل مع الآخرين، لكن هو يلجأ للحكمة بشكل أكبر من أن يلجأ للعقاب والقوة.
ويشير الغزو الى أن الأسرة إذا لاحظت أن أحد أطفالها يتجه بهذا الاتجاه، فإن دورا كبيرا يقع عليها في التوجيه والنصح والإرشاد، وقد يكون صعبا مع الصغار في هذا العمر، فليس لديهم خبرات في الحياة، وهنا يأتي دور الأب والأم والمعلم بعملية النصح والإرشاد، بمعنى آخر كن مسالما ولكن تعامل بحكمة، وفي الوقت نفسه لا تسمح للآخرين باستغلالك أو النظر لك نظرة أنك إنسان ضعيف ولا تستطيع أن تدافع عن نفسك أو تأخذ حقك، مؤكدا أنه يمكن تعليمهم بسهولة من خلال متابعة سلوكياتهم، والحديث معهم، ثم التوجيه ونقل تجارب الآخرين لهم.
الاختصاصي التربوي الدكتور عايش النوايسة، يبين أن الكثيرين ينظرون للشخصية المسالمة، بأنه إنسان ضعيف، فهذه “النظرة العامة”، فهو في ذاته يحاول الابتعاد عن المشاكل والخلافات، وهذه صفة سلبية لأنه بذلك يتجنب كل التحديات والصعوبات والمشاكل التي قد تواجهه.
ويوضح النوايسة أن هذه الصفة قد ينظر لها على أنها إيجابية، ولكن واقعها سلبي، مشيرا الى أن الإنسان متكامل لديه شخصيته وينمو عاطفيا واجتماعيا، فهو كائن روحي كما هو جسماني، فهو ينفعل ويتفاعل، يغضب ويفرح ويحزن ويتعاطى مع كل التحديات والمشكلات التي تواجهه في حياته ومجتمعه.
ويعتقد النوايسة أنه يجب أن يكون الإنسان إيجابيا بالدرجة الأولى، فالبعض يعرف الإنسان المسالم بمن يستسلم للواقع ويرضى به، لذلك الأصل فيه أن يكون لديه إيجابية وطروحات لأي تحد ومشكلة تواجهه، فالإنسان يؤمن بثقافة تقبل الآخر وبحقه وحقوق الآخرين وبالانضباط والمحافظة والقوانين والتعليمات والتشريعات الموجودة، “وهنا أستطيع أن أقول عنه إنه إنسان منضبط وليس مسالما لأن النظرة لكلمة مسالم كمجتمع تكون على أنه إنسان ضعيف”.
لذلك، يؤكد النوايسة “أنه يجب ألا نربي أبناءنا على أن يكونوا ضعفاء، بل أن نربيهم على أنهم أصحاب شخصية متوازنة بعد أن نوفر لهم جوانب النمو المتكاملة؛ العاطفي والاجتماعي والانفعالي والمعرفي، وبذلك نصبح جاهزين لتخريج جيل قادر على التعاطي مع المشكلات والتحديات التي قد تواجهه”.
ويشدد على “أننا اليوم ليس بحاجة الى هذا النمط من التربية، بالعكس نريد أطفالا مبادرين مشاركين متفاعلين لمواجهة كل العناصر والتحديات التي تتعلق بالحياة، والمسالم بالفكر العام والمتعارف عليه هو إنسان ضعيف يبتعد عن المشاكل ولا يواجه التحديات، ولا نستطيع أن ننكر ذلك ونحن لا نريد أن نربي أبناءنا ولا الجيل على هذه الصورة”.
ويشير النوايسة الى “أن الحياة مليئة بالفرص والتحديات والعقبات والمشاكل، والطالب في محيطه الاجتماعي ليس هناك فقط تعليم ومعرفة، بل هنالك جانب اجتماعي في التعليم، وكيف سيكون متفاعلا في العملية التعليمية و”التعلم الاجتماعي والعاطفي” ويتصرف في المجتمع حوله بحكمة ووعي الأهل بذلك”.
ويوضح الغزو أن الإنسان نفسه يختار كيف يكون مسالما، فالشخصية هي وعاء وأنت من أين تأخذ وتضع به تكون قدرتك على تكوينها، وخاصة في الوقت الحاضر، فالعبء الأكبر يقع عليه، فلا ينتظر الكثير من الأشخاص الآخرين، وإن ثقته بنفسه ومعرفته بها هي الأهم، وكلما عرف نفسه أكثر لن يهتم بالدائرة التي حوله مهما قالوا، وهذا يحتاج إلى ثقافة ووعي ومعرفة ومهارات وخبرات وإدراك.
ويختتم الغزو حديثه بأن الحياة بالنهاية قائمة على التوازن، فلا تكن لينا جدا حتى تستغل ولا تكن قاسيا وحادا جدا حتى ينفر الأشخاص من حولك أو تخسر وتلحق الضرر بنفسك أو بالآخرين.