منوعات

“ضغوطات المعلم” كيف تؤثر على حالة الطالب النفسية؟

الثلاثاء: ١٣/١٢/٢٠٢٢ – لم تكن كعادتها عندما جاءت المعلمة لإعطاء ابنتي في الصف الثالث حصة الرياضيات.. وجهها شاحب لم تحتمل من طفلتي مزيدا من الأسئلة حول الدرس وبقيت عيناها ترقبان الساعة باستمرار منتظرة انتهاء الحصة بفارغ الصبر”، هذا ما لاحظته الأربعينية مجدولين على معلمة الرياضيات التي تعطي ابنتها حصصا منزلية.
في البداية استفز أسلوب المعلمة، الأم مجدولين كثيرا في شرح الدرس، فهي تنتظر منها أن تكون على قدر كبير من الصبر والعطاء من دون عصبية كانت واضحة مع طفلتها لتتمكن من فهم الدرس، لافتة إلى أن الأصل في الدرس الخصوصي هو إعطاء الطفل مزيدا من الوقت للفهم والسؤال والتدريب.
أخذت مجدولين في عين الاعتبار، أن المعلمة في نهاية المطاف إنسانة لها حياتها الخاصة، وربما الكثير من المواقف والمشاكل تمر عليها خلال اليوم وتكون سببا في مزاجها السيئ، إلا أن طفلتها الصغيرة غير قادرة على استيعاب ذلك.
ويوافقها الرأي خالد رمحي الذي لم يعد طفله في الصف الثاني راغبا في الذهاب إلى المدرسة بسبب مزاج معلمته المتقلب بشكل دائم، الأمر الذي سبب له حالة من الخوف والقلق من الذهاب إلى المدرسة.
العصبية الزائدة التي يتعرض لها الكثير من الطلبة من قبل بعض المعلمين والمعلمات نتيجة الضغوطات اليومية العملية والمجتمعية، تحديات تنتقل معهم إلى المنازل وداخل الدروس الخصوصية، الأمر الذي يخلق حالة من عدم الرضا لدى الأهل وتخوفا لدى الطلبة.
المعلم أو المعلمة جزء من هذا المجتمع، ولديه الكثير من المشاكل والمصاعب والتحديات التي تشكل ضغطا كبيرا عليه أكثر من غيره، بحسب معلمة الرياضيات هبة الحديدي.
وتقول الحديدي “على المعلم أن يحاول قدر المستطاع أن يقف في المنتصف، يبتعد بمشاكله وضغوطاته عن الطلبة باعتبارهم الأكثر تأثرا في مزاجية المعلم وردود أفعاله وتصرفاته، وإذا نفر الطالب من معلم فهذا يسبب مشكلة كبيرة له”.
وتنصح الحديدي المعلمين بأن يحاولوا قدر المستطاع إلقاء الضغوطات التي يواجهونها في المدرسة أو المنزل كل في مكانها، وألا يحاول أن يحملها معه سواء لأسرته التي تشتاق له وتنتظره أو للطلاب الذين يتأملون به.
وحول تفريغ المعلم أو المعلمة عصبيته في الطلاب، ترى الحديدي أن على المعلم الاعتذار عن الحصص والدروس الخصوصية أو حتى الذهاب الى المدرسة إذا كان يعلم أنه غير قادر على العطاء ولديه طاقة سلبية كبيرة.
ومن جهته، يعزو الخبير التربوي الدكتور عايش النوايسة، الحالة النفسية المتقلبة التي يكون فيها المعلمون، إلى الممارسات اليومية التي تتعلق بهم وترتبط بشكل مباشر بالكفايات والمهارات المهنية، فكلما كانت خبرته أكثر وكفاياته أكبر وقدرته على الاستجابة للتعامل مع المواقف أعلى، كان على قدر عال من التخفيف من الضغوط النفسية والاجتماعية والظروف الحياتية وضغوط العمل.
ويشير النوايسة إلى أهمية التخطيط السليم، وبالتالي بغض النظر عن الظروف التي تحيط بالسنة الدراسية والضغوطات التي ترافق ختم المنهاج الدراسي أو تراكم الأعمال، فالأصل على المعلم الموازنة بين الخطط والواقع الطلابي داخل الغرفة الصفية، فكلما كان أكثر نجاحا وأكثر قدرة على عزل نفسه عن الضغوطات التي تتعلق ببيئة العمل، كان أسلوبه وطريقته أكثر إتقانا.
ويلفت النوايسة إلى أن القدرة على الاستجابة للظروف والتحديات ليست لها علاقة بأقدمية المعلم أو طول خبرته، وإنما بالكفايات والقدرات المهنية وبرامج إعداد المعليمين قبل المهنة.
وتساعد البرامج التدريبية، بحسب النوايسة، على العزل بين الضعوطات النفسية والاجتماعية، مؤكدا أن المعلم المهني والمتمرس قادر على أن يعزل البيئة السلبية الناتجة عن الضغوطات العملية والمهنية وأن يبقى في بيئة إيجابية ودافعة لتعزيز بيئات التعلم والتعليم.
فيما يشير اختصاصي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة، إلى أن مهنة المعلم كمرب ومدرس، حالة تتطلب “نفسا وبالا طويلا” والكثير من الصبر، وعليه أن يكون صافي الذهن ولديه حالة من التفريغ الإيجابي ليتمكن من ممارسة المهنة على أكمل وجه.
ويقول مطارنة “المعلم والمعلمة تحت عبء منهاج وغرفة صفية وممارسات سلوكية للطلاب”، هذا كله يسبب حالة من الضغط النفسي وبحاجة دائمة إلى التفريغ الانفعالي.
ويضيف مطارنة “الحياة ليست دائرة واحدة، وهو ما يجعل الفرد تحت ضغط نفسي كبير، فالعوامل مشتركة بين العمل والمنزل والمجتمع، لذا من الطبيعي أن يولد ذلك ضغطا نفسيا كبيرا، وبالتالي يصبح الشخص غير قادر على التحمل”.
“تعرض المعلم لضغط نفسي كبير في المدرسة وعدم استطاعته الفصل عن البيت أو حتى في حال الدروس الخصوصية التي يضطر لها الكثير من المعلمين بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، هذا كله إرهاق جسدي وعقلي وروحي، وبالتالي يشكل ثقلا على الجهاز العصبي للإنسان”، وفق مطارنة.
وفي كثير من الأحيان، بحسب مطارنة، لا يستطيع المعلم أن يتحمل هذا الضغط الشديد، لذلك لابد من أن تترك مساحة خاصة له يفرغ فيها طاقته ويبتعد بها عن المجتمع والمدرسة والمنزل، يمشي أو يشارك بعض الوقت مع أصدقائه، وبالتالي تفريغ الطاقة السلبية التي يكتسبها من عمله ومن خلال تأثره بالمشكلات التي تحدث داخل أسوار المدرسة.
يتعرض المعلم في كثير من الأحيان للاستفزاز من قبل الطلاب داخل المدرسة أو من المدير وصعوبة المنهاج أحيانا والكثير من المهام التي يحملها معه إلى المنزل، وهذا كله عامل مرهق للمعلم نفسيا وجسديا وذهنيا.
ويبين مطارنة أن المعلم الناجح هو الذي يستطيع أن يفصل في مهامه العملية ومحاولة تجاوز المشكلات لكي لا تؤثر نفسيا عليه وعلى غيره، وبالتالي بمجرد أن ينهي العمل يجب أن يفرغ طاقته ولو بقليل من المشي والتنفس ويعود إلى البيت مطمئنا ومسترخيا ليتمكن من أن يعطي عائلته حقها، فضلا عن ضرورة أن يتعلم على مهارة الصبر والتفريغ الانفعالي للتخفيف من العبء الواقع على الجهاز العصبي ونفسيته.