الخميس: 29/12/2022 – من النهايات تخلق البدايات؛ حيث يمر الجميع بمحطات عديدة لا تخلو من الأخطاء والخيبات والفشل، لكن نهاية العام دائما محطة مفصلية تحمل في طياتها العديد من المشاعر يقف أمامها الإنسان حائرا.
كم هائل من الأحداث والقصص والمواقف التي قد تسلب الفرح في لحظات وتمنح الأمل في تفاصيل مؤلمة وأخرى فيها شيء من السعادة ورضا الذات. وعلى أعتاب نهاية العام، يلجأ كل شخص لفتح ملفاته وإعادة حساباته مع نفسه قبل كل شيء.
لكن قد يكون صعبا على البعض مسامحة أنفسهم وتقبل أن الحياة فيها الفشل كما النجاح وفيها الرحمة كما القسوة، وخلف وجهها الغامض يختبئ الخوف والطموح والخطأ والصواب. وهنا يأتي السؤال: كيف سنبدأ عاما جديدا ونحن أسرى لأخطائنا غير قادرين على مسامحة أنفسنا؟
إسراء جلال (29 عاما) تقف بحزن على أعتاب العام الجديد لا تعرف بالضبط كيف يمكنها أن تعود لنسختها القديمة أو على الأقل تستعيد بعضا من هدوئها واتزانها بسبب كثرة الأخطاء التي ارتكبتها في حق نفسها. تقول: الحياة لا تنتظر أحدا، أيام تمر مسرعة “ينقضي عام ويبدأ آخر من دون أن نفكر بأن نغفر لذواتنا زلاتها ونتناسى أن مسامحة النفس هي النقطة الأهم لنستطيع أن نكمل حياتنا ونبدأ صفحة جديدة تمنحنا الأمل لكي نتوازن ونكون أقوى في مواجهة كل الظروف”.
وتتعجب شيرين خالد (33 عاما) من قسوة صديقتها على نفسها وجلدها من دون رحمة، مبينة أنها على عكسها تماما فهي تعرف كيف تتصالح مع أخطائها وتصححها إن أمكن لا تسجن نفسها داخل دائرة اللوم.
شيرين تعي جيدا أن من حق نفسها عليها أن تدللها وتستمع إليها وتقدرها وتغفر لها حتى وإن تكرر الخطأ، هذا كله يساعدها على أن تثق بنفسها أكثر وتحبها دائما وفي كل الحالات فهي حنونة مع نفسها تتقبل إخفاقاتها قبل نجاحاتها وتؤمن بها لأبعد الحدود.
بينما يعيش عامر سمير (46 عاما) بين شعوره بالندم وحزنه على ما فاته، وذلك بعد أن رفض وظيفة تؤمن له حياة أفضل. وحسب قوله هو لم يحسبها جيدا، أعتقد أن تغييره للمكان والأشخاص سيكون صعبا عليه فكان خياره البقاء والتخلي عن فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى أو ربما ستأخذ وقتا طويلا حتى تتكرر.
عامر لم يتوقع أنه سيلوم نفسه بهذه القسوة وسيعيش أيامه محبطا يطارده الإحساس بالذنب حتى ومع نهاية العام يشعر بأنه ما يزال سجينا لخطئه وفي حق أحلامه وطموحاته.
وعن مسامحة النفس والتصالح معها ترى آية إسماعيل (26 عاما) أن من السهل الصفح عن غيرنا، لكن من الصعب جدا أن نتعامل برحمة مع أخطائنا. وفي نهاية كل عام من الضروري ان يصارح الانسان نفسه بوضع النقاط على الحروف وتصحيح ما يمكن تصحيحه لايجاد التوازن، “فنحن بشر نخطئ ونصيب لكن المهم أن يكون النظر للأخطاء بحيادية بعيدا عن الجلد واللوم أو حتى التهاون”.
من الجانب النفسي يرى الدكتور علي الغزو أن مسامحة النفس والتجاوز عن الأخطاء يعود في الدرجة الأولى إلى شخصية الأفراد أنفسهم، فالبعض قساة في حق ذواتهم لا يستطيعون أن يغفروا أخطاءهم ويتصالحوا معها، وهؤلاء تحديدا يرفضون مسامحة أنفسهم لأنهم يجدون في الخطأ خسارة كبيرة تمنعهم من الوصول إلى أهداف كانوا ينوون تحقيقها.
ومن وجهة نظر الغزو، فإن الشخصيات التي يصعب عليها مسامحة نفسها هي في الأصل شخصيات عملية وتطمح دائما لنجاح، فبمجرد أن تخطأ تبدأ بلوم نفسها ويتملكها الإحساس بالذنب وذلك لأنها دائما ما تطمح للأفضل.
وهنا تنقسم هذه الشخصيات إلى نوعين: الأول أشخاص يلومون أنفسهم ويقسون عليها لكن لفترة مؤقتة سرعان ما يزول هذا الشعور الصعب ويعودون لدائرة الصواب وينطلقون من جديد، وآخرون يعتبرون وقوعهم في الخطأ هو نهاية الحياة، وبالتالي يبقون مستسلمين للفشل.
ويضيف؛ عدم وصول هؤلاء للهدف يجعلهم يجلدون أنفسهم باستمرار غير مكترثين بأن هناك في كل سقوط أو فشل أو خطأ نقطة بداية تعتمد على التغذية الراجعة والتقييم ومراجعة الذات، وهذا بالطبع يجعلهم يعتقدون أن كل الخطوات بعد ذلك ستقود حتما إلى الفشل.
ومثل هذه الشخصيات يبين الغزو أنها تخطئ في حق نفسها كثيرا، لذا فهي مقلقة لمن حولها لأن جلدها لذاتها بقسوة لا يقتصر تأثيره عليها فقط فحسب بل يمتد إلى المحيطين بها، والأكثر خطورة هو البعد النفسي الذي تعيشه والذي يتراوح بين القلق والخوف والاكتئاب بالإضافة إلى قلة الثقة بالنفس في أحيان كثيرة.
ويلفت إلى أن هناك سلوكيات تصدر من الشخص نفسه، وفي هذه الحالة هو مجبر لأن يتحمل مسؤولية قراراته الخاطئة والتجاوز عنها، فهناك سلوكيات خاطئة تصدر من الآخرين لا ذنب لنا فيها.
ووفق الغزو، فإن جلد الذات ولومها عند ارتكاب الأخطاء ليس دائما أمرا سلبيا وإنما هي حالة صحية تدل على يقظة الضمير وصحوته فليس من الخطأ أن يراجع الإنسان نفسه ويؤنبه ضميره، لكن بشرط أن يقرر البدء من جديد وأخذ خطوات حقيقية نحو أهدافه.
وحول ارتباط مسامحة النفس بنهاية العام، يؤكد الغزو أن تصفية الحسابات سواء على المستوى المادي أو المعنوي تكون غالبا عند انتهاء وبداية عام آخر لأن الشخص الذي يخطط بشكل جيد لأهدافه يعي تماما أن تحقيق تلك الأهداف قد يستغرق أشهرا أو سنة أو حتى سنوات أي أنه يضع خطة بعيدة المدى ليعطي نفسه أكثر من فرصة.
كما أن للإعلام تأثيرا كبيرا في تسليط الأضواء على ما حدث خلال العام من مواقف وبهذه الطريقة يصبح لنهاية العام قدسية خاصة فهي محطة انتقالية يعيد فيها الإنسان حساباته. وينصح الغزو الجميع وتحديدا الشخصيات التي تجد صعوبة في مسامحة نفسها أن تكون متزنة في كل شيء وتجيد التسامح وخاصة مع الذات لكن أيضا إلى حد معين، كما أنه من الضروري أن نتقبل حقيقة “أننا نخطئ وأن الوقوع في الخطأ ليس هو النهاية وأن المرور بمرحلة صعبة أو قاسية لا يمنعنا من أن ننظر بإيجابية للأمور من حولنا بل على العكس هذا كله يدفع لأن نغلق ملف الماضي ونبدأ صفحة جديدة مع الحياة”.
وبحسب الأخصائية النفسية الدكتورة سلام عاشور فإن الوعي والتعامل بفهم مع الذات وتحصين الإنسان بصحة نفسية جيدة كل هذه الأمور تساعده على أن يكون قويا تجاه كل ما يحدث معه وقادرا على حماية نفسه من أي تأثير سلبي قد يؤثر عليه نتيجة أخطاء قد يرتكبها في حق نفسه.
وتضيف عاشور أن وصول الشخص لأن يحقد على نفسه ويسيء لها ويرفض مسامحتها سببه الهشاشة النفسية التي يعاني منها، والتي تحرمه من أن يكون رحيما حتى مع ذاته، وهنا يحتاج الإنسان لدعم نفسي حتى يتجاوز هذه المرحلة.
وعن أهمية المسامحة الذاتية توضح عاشور أن القوة تكمن في أن نتقبل أنفسنا بكل أخطائها وهفواتها ونعمل على تصحيحها حتى نحظى بصحة نفسية وعاطفية جيدة تجعلنا أقدر على التخطيط لأهدافنا بنجاح وثقة، وبالتالي نستطيع الابتعاد عن جلد ذواتنا وعدم مسامحتها وفي هذه الحالة فقط يصبح من السهل على الإنسان أن يبدع ويلاحق طموحه وأيضا أن يكون قادرا على استبدال شعور عدم المسامحة بأن يستغل الفرصة ويتعلم من خطئه، وأن ينظر إليه على أنه درس سيقويه وسيجعله يرى الأمور من زوايا مختلفة وإيجابية.
وتتفق عاشور مع الغزو في أن تأنيب الضمير ليس بالضرورة أن يكون شعورا سلبيا بل هو في أحيان كثيرة يدل على صدق الإنسان مع نفسه ومدى تصالحه مع أخطائه، فعندما يحس الشخص بتأنيب الضمير يدرك أنه أخطأ وأن عليه أن يصوب خطأه وهذا بالطبع أمر صحي وإيجابي، ولكن إذا كان الشعور مبالغا فيه وتجاوز الحد الطبيعي هنا لا بد من الوقوف مع النفس والاقتناع بأن الخطأ حدث وأصبح من الماضي وليس أمام الشخص أي خيار سوى التركيز على الحاضر والتخطيط للمستقبل.