اخبار محلية الصورة الرئيسية

تعريب قيادة الجيش العربي تجسيد لرسالة الثورة العربية الكبرى في الوحدة والحرية والاستقلال

الثلاثاء: ٢٨/٢/٢٠٢٣ – كان قرار تعريب قيادة الجيش العربي الذي اتخذه جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه دون النظر إلى نتائجه في ذلك الوقت العصيب، بداية الانطلاقة القوية للجيش العربي على وحي من رسالة الثورة العربية الكبرى ونبل رسالتها، وعلى قاعدة من العلم والمعرفة ومواكبة العلوم العسكرية والتكنولوجيا، فتسارعت همم الهاشميين وأطلقت العنان لأبناء الجيش العربي لبناء مؤسستهم العسكرية الوطنية التي باتت مثالاً يُحتذى، ونبراساً لكل العرب، بما حققته من سمعة عالمية.

فقد كان تعريب قيادة الجيش العربي، قصة وطن، وشجاعة قائد عزّ نظيرها في حقبة زمنية شهدت محطات مفصلية من عمر المملكة الأردنية الهاشمية، فالملك الشاب الذي لم يمض على توليه سلطاته الدستورية ثلاث سنوات استطاع بشجاعته وحكمته وقوة بصيرته إعادة ترتيب البيت الأردني، وقد عرف أن الجيش أساس الدولة وسر قوتها.

لقد أدرك جلالة الحسين بن طلال طيب الله ثراه بحسه الوطني والقومي وبعد نظره، أنه يستحيل على الجيش العربي أن يتطور أو يتقدم ما دامت قيادته من غير أبنائه المخلصين، وأنه لا يمكن أن يحتل مكانةً مرموقةً عربياً ودولياً، إلا إذا تخلّص من قيادته الأجنبية التي لا همّ لها ولا شأنا في تسليحه وتدريبه وتطوير قدرات منتسبيه، وعمل منذ الساعات الأولى لاعتلائه العرش على التفكير في استبدال القيادة الأجنبية بأخرى عربية تعمل على تطويره وتحديثه وتدريبه وفق أفضل المعايير الدولية للجيوش المتقدمة، ليكتب أبناؤه بعد ذلك، تاريخه المشرف ببطولاتهم العظيمة، وتضحياتهم الجسيمة على أرض فلسطين وغيرها من الأرض العربية، وفي شتى بقاع العالم رسولاً للمحبة والسلام.

ففي الأول من آذار عام 1956 الموافق ليوم الخميس، اتخذ جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه قراره التاريخي بتعريب قيادة الجيش وإعفاء الجنرال كلوب من منصبه بالإضافة إلى بقية القيادات الانجليزية.

وكان للحسين يرحمه الله بصماته الواضحة في استكمال القرار السيادي للمملكة الأردنية الهاشمية عندما قال: “إن الرأي العام كان يجهل أن قضية عزل كلوب من منصبه كانت قضية أردنية تماماً لأن كلوب كان قائداً عاماً للجيش العربي الأردني، وكان يعمل لحساب حكومتي”.

إن قرار تعريب قيادة الجيش العربي الأردني، الذي اتخذه جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه بكل شجاعة واقتدار، أعطى من خلاله لأبناء الوطن شرف قيادة الجيش العربي، ويعتبر بمثابة حجر الأساس لتولي مسؤولية القيادة العسكرية، وخلق قادة من أبناء الوطن المخلصين، ارتقوا إلى أعلى المناصب رافعين رايات النصر والعز وظلت تخفق عالياً، ساطعة كسطوع الشمس، زاهية بدمائهم الزكية، معطرة بتراب الوطن، حاملين الراية الهاشمية الخفاقة في الدفاع عن الوطن وقضايا الأمة.

اتخذ جلالته طيب الله ثراه القرار القومي التاريخي الجريء بتعريب قيادة الجيش وتخليصه من التَبعية الأجنبية غير آبهٍ بنتائج هذا القرار، بكل شجاعة، وهو الذي نذر نفسه وأبناءه لبناء مجد الأردن وخدمة أمته العربية والإسلامية ونصرة قضاياها، حاملاً رسالته القومية، واضعاً نصب عينيه مصلحة وطنه وشعبه وأمته، لترتسم الفرحة الغامرة على جباه أبناء الأسرة الأردنية الكبيرة كلها.

التعريب خطوة جريئة فتحت للأمة آفاقاً رحبة من الانعتاق من التبعية والاستعمار، ويذكر التاريخ أنه في صباح 29 شباط 1956 وصل جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه إلى الديوان الملكي في ساعة مبكرة مرتدياً بزته العسكرية وفي عينيه تأهب وتحفز وتحد للزمن ليلتقي يومها رئيس الأركان، وبدأ جلالته حديثه مستوضحاً منه عن رأيه في تعريب قيادة الجيش العربي الأردني، وكان رد كلوب أن هذه المسألة ليست بالسهولة. ويقول جلالته في كتابه (مهنتي كملك): “ولما كنت خادماً للشعب فقد كان علي أن أعطي الأردنيين مزيداً من المسؤوليات، وكان واجبي أيضاً أن أقوي ثقتهم بأنفسهم وأن أرسخ في أذهانهم روح الكرامة والكبرياء القومي لتعزز قناعتهم بمستقبل الأردن وبدوره إزاء الوطن العربي الكبير، فالظروف والشروط كانت ملائمة لإعطائهم مكاناً أكثر أهمية في تدبير وإدارة شؤون بلادهم لا سيما الجيش، ولكن على الرغم من أن كلوب كان قائداً عاماً للجيش فلم يكن بمقدوره أن ينسى إخلاصه وولاءه لانجلترا وهذا يفسر سيطرة لندن فيما يختص بشؤوننا العسكرية، وقد طلبت مراراً من الانجليز أن يدربوا مزيداً من الضباط الأردنيين القادرين على الارتقاء إلى الرتب العليا وكان البريطانيون يتجاهلون مطالبي”.

وقد أثارت هذه التراكمات سخط جلالة الملك وزادت من إصراره على إنهاء خدمات القيادة الانجليزية بأي شكل وأن هذا الأمر يجب أن يتحقق مهما كلف الثمن وبأقرب وقت وبلا تراجع، فجلالته كان على علم تام بما تخطط له القيادة الانجليزية حول التخلي عن هذا للضباط الأردنيين ومتى يمكن أن تفكر بهذا الأمر.
وعقد الحسين – يرحمه الله – العزم فكان القرار، وهو الأمر الذي فكر فيه جلالته طيب الله ثراه منذ كان طالباً وقرر أن يضع حداً لكلوب وتدخلاته بإنهاء خدماته، إنها الخطوة الجريئة التي أقدم جلالته – يرحمه الله – على اتخاذها والتي قابلها الشعب والجيش حباً بحب وولاء بولاء فأزالت عن الأردنيين هماً كبيراً وعززت ثقتهم بقائدهم الشاب وسداد رأيه وحكمته وبعد نظره.
وسطر جلالته في صفحات التاريخ خطوةً مباركةً وجريئةً وقراراً مجلجلاً في الداخل والخارج ليكون بذلك نهاية المعاناة وولادة المستقبل.
ومع صباح يوم الخميس الأول من آذار عام 1956 أصدر جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه أمره لرئيس الديوان الملكي، ورغبته في عقد جلسة لمجلس الوزراء يرأسها بنفسه، ونفذ الأمر الملكي في الحال لتنتهي جلسة مجلس الوزراء الملكية بإصدار قرار يحمل الرقم (198) تقرر فيه إنهاء خدمة الفريق كلوب من منصب رئاسة أركان حرب الجيش العربي الأردني وترفيع الزعيم راضي حسن عناب من أبناء الجيش العربي الأردني لرتبة أمير لواء وتعيينه في منصب رئاسة أركان حرب الجيش العربي الأردني ليكون أول قائد عسكري أردني يتسلم قيادة أركان الجيش العربي الأردني بعد عزل الجنرال الانجليزي كلوب.
وفي تمام الساعة السابعة والنصف من صباح يوم الجمعة الموافق 2 آذار 1956 نقلت الإذاعة الأردنية أنباء الخطوة الجريئة لجلالة الملك الحسين، والتي لم يكن يتوقعها أحد، وحمل الأثير صوت الملك الحسين طيب الله ثراه وهو يحمل البشرى بنبرات قوية واضحة في خطاب قصير هذا نصه: “أيها الضباط والجنود البواسل أحييكم أينما كنتم وحيثما وجدتم، ضباطاً وحرساً وجنوداً، وبعد، فقد رأينا نفعاً لجيشنا وخدمة لبلدنا ووطننا أن نجري بعض الإجراءات الضرورية في مناصب الجيش، اتخذناها متكلين على الله العلي القدير ومتوخين مصلحة أمتنا وإعلاء كلمتنا، وإنني آمل فيكم كما هو عهدي بكم النظام والطاعة، وأنت أيها الشعب الوفي، هنيئا لك جيشك المظفر الذي وهب نفسه في سبيل الوطن ونذر روحه لدفع العاديات عنك مستمداً من تاريخنا روح التضحية والفداء ومترسماً نهج الألى في جعل كلمة الله هي العليا، إن ينصركم الله فلا غالب لكم، والسلام عليكم”.