اخبار محلية

خبراء: تحديات رئيسية تُحاصر تنمية الاقتصاد الريفي بالمملكة

اليوم الإثنين 4-3-2024 : عائشة عناني- تحاصر عوامل التغير المناخي وشح المياه، والفقر والبطالة ومحددات البنى التحتية والتسويق والوصول إلى التمويل؛ آفاق تنمية وتعزيز الاقتصاد الريفي بالمملكة.

وبالرغم من هذه التحديات؛ تواصل جهات رسمية وغير رسمية عديدة، جهودها ضمن برامج متنوعة لتحقيق استدامة اقتصادية تعتمد في جزء كبير منها على الزراعة والمشروعات الإنتاجية.

وأكد خبراء شاركوا في منتدى تعزيز الاقتصاد الريفي الذي عقد أخيراً، أن الزراعة هي النشاط الرئيسي في الريف الأردني، رغم وجود تحديات مائية، وأخرى متعلقة بالفقر والبطالة مقارنة بالمناطق الحضرية، ما يستدعي الالتفات للفرص الإقليمية لتعزيز التعاون والتكامل لتحقيق أهداف التنمية الريفية، معتبرين أن تحقيقها هو السبيل لتأمين مستوى معيشي أساسي لائق لجميع سكانها.

وناقشت محاور المنتدى الذي نظّمته المؤسسة الأردنية لتطوير المشروعات الاقتصادية (جيدكو) عبر مشروع التنمية الاقتصادية الريفية والتشغيل الممول من الحكومة الهولندية والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد)؛ رؤى ريادة الأعمال في المجتمعات الريفية، والأمن الغذائي المستدام، والنوع الاجتماعي ودور الشباب في التمكين الريفي، والاستثمار المستدام في الزراعة والتغير المناخي، والوصول إلى التمويل، واستراتيجية التسويق والسياحة الزراعية، وتحديات شح الموارد المائية، والبنية التحتية، وضعف التقنيات، وصعوبات الوصول إلى التمويل، وتشجيع الشباب الريفي على تنمية مناطقهم.

وتنمو بعض الصناعات الصغيرة الإنتاجية والحرفية في المناطق الريفية، فيما أصبحت السياحة الزراعية الريفية كذلك، نمطاً جديداً يلجأ إليه أهل الريف لتوفير دخل لهم، وللتغلب على تحديات النمطية، بالخروج عن المألوف.

وأظهر موجز السياسات الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “الأسكوا” في كانون الثاني الماضي، أن تغير المناخ يؤثر على الزراعة وبالتالي على الأمن الغذائي في المنطقة العربية، ويتأثـر سـكان المناطـق الريفيـة، الذين يعتمدون في تأمين سبل عيشهم ودخلهم بنحو مباشر على الموارد الطبيعية المتأثرة بالمناخ، أكثر من غيرهم.

وكشف الموجز الذي حمل عنوان” الهجرة وتغير المناخ في المنطقة العربية” عن انخفاض نسبة سكان الريف في الأردن من 48 بالمئة إلى أقل من 8 بالمئة بين الأعوام 1960-2022 بسبب تداعيات التغير المناخي مثل ندرة المياه، وتكرار موجات الجفاف والتصحر، مع انعدام الفرص الاقتصادية الريفية.

وبلغت مساهمة قطاع الزراعة بالناتج المحلي الإجمالي حسب تقديرات العام 2022، نحو 4.5 بالمئة وبقيمة 1.5 مليار دينار، أي ما نسبته 20 بالمئة من المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي بحسب أرقام رسمية.

الزعبي : ضرورة تمكين الشباب الريفي

وأكد خبير الأمن الغذائي والمستشار السابق في منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الدكتور فاضل الزعبي، لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) أن تحقيق الإنتاج الزراعي من ضمن الركائز الأساسية لتحقيق الأمن الغذائي، ولا بد من تحقيق استدامة الإنتاج الزراعي لتحقيق أمن غذائي مستدام في ظل التغيرات المناخية والتحديات الاقتصادية.

وأوضح أن 90 بالمئة من الإنتاج الزراعي في الأردن والعالم هو من صغار المزارعين الموجودين في المناطق الريفية، والبقية من الشركات الكبرى.

واعتبر أن الاهتمام بتنمية الاقتصاد الريفي، يبدأ من خلال تمكين الشباب الريفي، الذي تكاد تنعدم لديه فرص العمل الموجودة في المناطق الحضرية، إضافة لاضطرار العديد منهم للهجرة نحو المدن.

الخصاصي : منح امتيازات ضريبية ومالية

من جانبه، أكد نائب أمين عام الاتحاد من أجل المتوسط في برشلونة، الدكتور عبدالقادر الخصاصي، أن تمكين الشباب لتنمية الاقتصاد الريفي، في ظل سعي العديد منهم للخروج من الأرياف نحو المدن والعمل في الوظائف التقليدية، يتطلب إقناعهم للبقاء فيها أو حتى الهجرة المعاكسة من المدن للأرياف، بهدف تنمية المجالات القروية الهشة، وهو “ليس بالأمر الهين إن لم تكن هناك برامج وتصورات واضحة تطرح بدائل مغرية كفيلة بتحقيق هذا المراد”.

وقال الدكتور الخصاصي “إن الشباب الآن في عصر التكنولوجيا والتحولات الرقمية، يرون في الفضاءات الحضرية مجالات كفيلة بتحقيق أحلامهم وتصوراتهم وضمان العيش الكريم، وتوفير الظروف الكفيلة بالتطور والرقي، رغم أن المجالات الريفية يفترض أن توفر آفاقا جديدة للتخفيف من أزمات البطالة”.

وأوضح أن المجالات الريفية عادة مقرونة بمفاهيم عامة أهمها العمل في المجالات الفلاحية المنقسمة لأقسام أسرية تعاونية وإنتاجية كبرى، ما يستدعي توفير شروط أهمها مرتبط بالحكومات والسلطات المحلية، التي من مهامها توفير الربط ما بين الأرياف والمدن عبر شبكات الطرق مع تأمين وصول الخدمات الرئيسية للتجمعات الريفية والمرافق الرئيسية من خدمات كهربائية، وربط المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي مع أهمية الربط الرقمي و التكنولوجي.

وأشار إلى أن كل تلك المعطيات، تتطلب وجود استثمارات كبرى في مجتمعاتنا، من المفترض أن تجتمع العديد من الأطراف لتوفيرها في إطار مقارباتي على أساس “رابح رابح” يجمع بين الحكومات والقطاع الخاص والفاعلين المحليين وهيئات المجتمع المدني والمستثمرين الشباب أنفسهم، كطرف مستفيد وفاعل في إطار شراكات ممكنة مع منظمات دولية وإقليمية ووكالات دول غنية معنية بالتعاون مع دولنا لاعتبارات دبلوماسية واقتصادية واجتماعية.

واعتبر أن تضافر الجهود لكل الفاعلين، بإمكانه تحقيق التطور المحلي المنعكس بدوره على تطور البلدان التي بإمكانها العمل بطرق أخرى لمنح امتيازات ضريبية ودعم مالي بضمانات وقروض وضمانات مالية منخفضة الفوائد خاصة بالشباب والنساء والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ما ينعكس مباشرة على التشغيل المحلي الذاتي، الكفيل بالحد والتقليل من مشاكل البطالة عبر استراتيجيات واضحة المعالم والأهداف.

استيتية : صعوبات بالترويج وتسويق المنتجات

بدوره، اعتبر الرئيس التنفيذي لمركز تطوير الأعمال، ووزير العمل الأسبق نايف استيتية، أن أول التحديات التي تواجه المناطق الريفية في المحافظات، هو عدم وجود عدد كبير من الشركات، بما يوفر فرص عمل واستثمار كافية، بالإضافة لعدم الخروج عن المألوف في الاقتصاد الريفي.

وأوضح أن الصورة النمطية عن الاقتصاد الريفي مرتبطة بالزراعة وما يتبعها من مشاريع إنتاجية، ما يضعف التركيز على أي مشاريع ابتكارية أخرى، رغم امتلاك الشباب في تلك المناطق للطاقة والإصرار والعزيمة، والعديد من الأفكار الإبداعية التي تحتاج لدعم أكثر.

وقال استيتية، إن العمل في القطاع الزراعي وحده، يواجه مشاكل تتمثل في موسمية العمل وبيئة غير مستقرة ومستدامة، مشيراً إلى أن الشباب لا يوجد لديهم ثقافة عيب ولكن هناك صورة نمطية خاطئة عن بعض القطاعات، بالإضافة لصعوبات تتعلق بالترويج وتسويق المنتجات وإدماج المرأة بنحو أكبر، وتحديات تمويلية.

أبو خروب : السياحة الزراعية بالأردن متواضعة

من جهته، أوضح مساعد الأمين العام للشؤون السياحية في وزارة السياحة، المهندس أيمن أبو خروب، أن السياحة الزراعية هي إحدى الأنماط السياحية التي تعبر عن أي نشاط أو خدمة يقدمها المزارع للسائح في مزرعته.

وقال أبو خروب، إن السياحة الزراعية في الأردن لا تزال متواضعة وتحتاج تطويراً أكثر، في ظل اتجاه العالم نحو اعتمادها كمنتج ومقصد سياحي مهم، يوفر تجربة متكاملة.

وبين أن المزارع السياحية، تستقبل السائح، ليقضي وقته في ممارسة أنشطة خاصة بالمزرعة من حيث الزراعة أو جمع المحصول أو تربية الحيوانات وإطعامها أو تصنيع الغذاء المعتمد على الإنتاج الحيواني أو جمع العسل، وغيرها الكثير.

واعتبر أن ما يُمارس في الأردن في هذا الإطار، يمكن اعتباره سياحة ريفية أكثر مما هي زراعية، كونها تتم في أماكن ريفية وليس مزارع متخصصة، مشيراً إلى أن الوزارة تُعد خارطة طريق لهذا النوع من السياحة في الأردن، ليكون منتجاً سياحياً استراتيجياً.

ومنحت مؤسسة الأقراض الزراعي منذ عام 1960 وحتى 2022، 965 مليون دينار قروضاً زراعية لنحو 285 مزارعاً، منها 192 مليون دينار للإناث، فيما شكلت نسبة الإقراض لغايات تنمية وتطوير الإنتاج الحيواني 33 بالمئة، أكثر من 323 مليون دينار، وبلغ معدل القرض الواحد قرابة 4565 ديناراً، أي أن معظمها موجه لصغار المزارعين.

وبلغ حجم القروض التي قدمتها المؤسسة وفقاً لأحدث أرقام في عام 2022، نحو 55 مليون دينار، استفاد منها 12096 مقترضاً، لغايات إنشاء واستصلاح وتطوير 12375 مشروعاً زراعياً في مختلف مناطق المملكة.

وفي نفس السنة؛ بلغت قيمة القروض المقدمة لسكان مناطق البادية قرابة 8 ملايين دينار، استفاد منها نحو 1484 مقترضاً، فيما بلغت قيمة الفروض المقدمة لسكان مناطق الأغوار، قرابة 12 مليون دينار استفاد منها 2066 مقترضاً، و34 مليون دينار قروض أخرى لباقي مناطق المملكة، استفاد منها 8546 مقترضاً.

وبلغت نسبة عدد الذكور الذين حصلوا على قروض من المؤسسة 62 بالمئة في 2022، من إجمالي عدد المقترضين، مقابل 38 بالمئة للإناث، في حين بلغت قيمة القروض التي حصل عليها الذكور نحو 39 مليون دينار، بنسبة 70 بالمئة من إجمالي القروض، والإناث 17 مليون دينار، بنسبة 30 بالمئة من إجمالي القروض المقدمة من المؤسسة خلال 2022.

المحروق: حصة تمويل الأرياف متدنية

إلى ذلك، اعتبر مدير عام جمعية البنوك الدكتور ماهر المحروق، أن حصة تمويل الأرياف والأنشطة الزراعية متدنية مقارنة بإجمالي التمويلات الممنوحة للأنشطة الاقتصادية الأخرى.

وقال إن التسهيلات الائتمانية الخاصة بالزراعة تذهب لمشاريع زراعية معظمها رسمية وكبرى، مشيراً إلى أن المشاريع الريفية تنقسم لزراعية أو مشاريع ومهن صغيرة ومتوسطة.

وأضاف أن نحو 95 بالمئة من المؤسسات في الأردن صغيرة ومتوسطة، لا تتجاوز حصتها الائتمانية ما نسبته 15 بالمئة من إجمالي التسهيلات التي تمنحها المؤسسات التمويلية.

عساف: تغيير نمط حياة الأفراد

وقال ممثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في الأردن (الفاو) الدكتور نبيل عساف، إن المنظمة تعنى بالأمن الغذائي والقضاء على الفقر والجوع في العالم وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولديها 4 أهداف استراتيجية تتعلق بالإنتاج والغذاء والبيئة والحياة الأفضل، عبر تمويل وتأهيل عدد من المبادرات والبرامج التي تنفذها في الأردن بالشراكة مع الحكومة.

وأكد ضرورة تغيير العادات للتأقلم مع التغير المناخي، ما يتطلب الكثير من الجهد بدءاً من تغيير نمط حياة الأفراد، خاصة ما يتعلق بالموارد المائية وسبل التكيف مع شحها في الأردن، مشيراً إلى أن القطاع الزراعي يستهلك نحو 51 بالمئة من الموارد المائية، وهي ليست بالنسبة الكبيرة للاستهلاك في ظل وجود دول تستهلك ما يصل لنحو 70 بالمئة من مواردها المائية، لكنها كبيرة بالنظر لقلة تلك الموارد.

وبلغت نسبة الهطول المطري في 2023 نحو 70 بالمئة من معدلها السنوي، فيما بلغت كميات المياه المخزنة في السدود نحو 115 مليون متر مكعب، بما يعادل 40 بالمئة من سعة التخزين الكلية، وتقدر حاجة المملكة السنوية من المياه بنحو 1.2 مليار متر مكعب.

وأظهرت بيانات إحصائية رسمية أن نحو 90.3 بالمئة من سكان المملكة يعيشون في المناطق الحضرية المعرفة بأنها “التجمعات التي يبلغ عدد سكانها 5 آلاف نسمة فأكثر”، وبعدد 10.398 مليون نسمة تقريباً، مقارنة مع 1.118 مليون نسمة تعيش في الريف، حتى نهاية العام 2023.

وذكر المجلس الأعلى للسكان في تقرير صدر أخيرا إلى أن التوزيع الجغرافي لسكان الأردن “غير متوازن وضار بالبيئة والاقتصاد الريفي والأمن الغذائي ومكلف ماليا وإدارياً”، حيث أن 8 بالمئة فقط من السكان يقطنون في النصف الجنوبي من المملكة ضمن المحافظات الأربع؛ بينما 92 بالمئة في النصف الشمالي، منهم 63.5 بالمئة في محافظات الوسط، و28.5 في محافظات الشمال.