اليوم الثلاثاء 23-7-2024: أكدت نتائج الدراسات والبحث العلمي أن جرش حضارة متميزة على الصعيد المحلي، والإقليمي والعالمي.
وأشارت الأبحاث والدراسات والكتب العلمية المنشورة حول جرش والبحث الميداني وفي الموسوعات والمصادر العالمية، إلى أن جرش تفوقت منذ ألفي عام على كثير من حضارات العالم القديم والحديث وتربعت منفردة على عرش مدن المشرق، وأصبح من المؤكد أن الحقائق العلمية والتاريخية تجعل من مدينة جرش الأولى على مستوى الشرق الأوسط من حيث الابتكار، والتميز، والريادة، حيث شهدت أولى المستقرات البشرية الإنسانية.
جاء ذلك في البحث العلمي الذي عرضه الأستاذ الدكتور محمد وهيب من الجامعة الهاشمية في الملتقى الثاني الذي عقد في قاعة بلدية مدينة جرش أمس، وتم خلاله تقديم الدلائل والبراهين العلمية باستخدام الشرائح الملونة التي تثبت أن جرش كانت حضارة مزدهرة ومتميزة على مثيلاتها العالمية في بلاد الرافدين، وفي سوريا، وفي (جتال هايوك) في تركيا قبل ستة آلاف سنة قبل الميلاد، أي منذ العصور الحجرية من خلال اكتشاف حضارات تل الصوان التي قدمت للبشرية نموذجاً في بناء القرى والمدن التاريخية.
وأضاف أن إسهامات جرش في رقي البشرية وقيادة دفة العلوم والآداب قد بلغت أوج مجدها من خلال تأسيس علم الرياضيات، وقدمته للعالم أجمع من خلال العلامة الجرشي الشهير (نيكوماخوس الجيراسي) الذي ولد في جرش عام 120 م وتوفي عام 196م، وأن العالم يحتفل بسيرة هذا العالم الجرشي الجليل في كل عام في جامعاته ومعاهده ومتاحفه المرموقة لغزارة مساهمته في رقي البشرية وقد ترجمت كتبه ومؤلفاته في معظم دول العالم ولا زالت مرجعاً أساسياً في علم الرياضيات، فلقد كتب نيكوماخوس أبكر جداول الضرب اليونانية والرومانية في العالم، وتأثر به العلماء البابليون، والصينيون، والأوروبيون حيث كانت أقدم الجداول اليونانية المتوفرة في العالم تعود للقرن الأول قبل الميلاد.
كما أن نيكوماخوس ألف كتابًا بعنوان “قداسة الأرقام Theologoumena arithmetic’s” وقد تمت ترجمته إلى اللغة اللاتينية في القرن الثاني، واعتبر هذا الكتاب مصدراً مثالياً لعلم الرياضيات لقرون لاحقة، حيث أكد في بحثه المعمق حول علم الرياضيات أن هذا العلم ذو بعد روحي لما بين العالم المفهوم والعقلاني.
كما أن جرش أنجبت كبار مهندسي المشرق وخاصة المهندس الجرشي فيثاغور زابيدوس، حيث يعتبر هذا المهندس العربي (ابن زبيد) كبير مهندسي المشرق حيث ابتدع نظام الأقواس من الأسفل للأعلى، وأقام المسارح، والمدرجات، والمباني الضخمة، وعاونه مهندسو جرش وعمالها المهرة والبناؤون من أبناء جرش على إنشاء مدينة جرش / جيراسا خلال العصر الروماني قبل ألفي عام، حيث ظهر ذلك من خلال نقش كشف في جرش عام 2014، وليس غريباً أن نجد جرش حتى يومنا الحاضر من أكثر مدن العالم القديم اكتمالاً من حيث العمارة المتصلة حيث يبلغ طول سورها خمسة كيلومترات ونصف مما يضعها بين أعظم دول العالم التي تمتلك أسواراً حجرية طويلة.
وأضاف، لقد قدم الجرشيون ابتكاراً نادراً للعالم تمثل في صناعة منشار حجري هيدروليكي يعمل بقوة اندفاع الماء ويرجع للقرن السادس الميلادي حيث اكتشف في جرش عام 1926، وحققت بذلك جرش بهذا الاكتشاف الريادة والابتكار في المشرق قاطبة في مجال المحاجر والزخارف وتشذيب الحجارة وإنتاج الرخام وإنشاء المدن المتطورة.
كما أكدت الاكتشافات الحديثة أن جرش سكت النقود وضربتها باستخدام الذهب، والفضة، والبرونز وكان لها عملتها الخاصة باقتصادها المتميز والمتطور وأسواقها العالمية التي استمرت حتى فترات الإيلاف القرشي، وخلال العصر البيزنطي كانت جرش منارة الأمن والاستقرار لأتباع الديانة المسيحية فأقاموا بها وأنشأوا عشرات الكنائس وما زالت شاهدة على أرض الإيمان والرسالات السماوية، ونهضت جرش وتميزت أيضاً خلال العصور الإسلامية عندما فتحها القائد شرحبيل بن حسنة، فأقيم بها المساجد داخل المدينة الأثرية والمساكن والأحياء التجارية.
كما نالت جرش شرف قدوم الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) إليها مرتين في قافلة الإيلاف القرشي (قافلة خديجة بنت خويلد) ووطأت قدماه الشريفتان أرضها الطهور الأمر الذي يشير لأهميتها في تجارة العالم القديم كونها على مفترق طرق بلاد الرافدين، والشام، وفلسطين، والجزيرة العربية، ويستمر تميز جرش وريادتها عندما وصفها الجغرافي العربي الشهير ياقوت الحموي في كتابه فتوح البلدان بأنها مدينة عظيمة، ولا زال واديها يتميز بشجرة (الدلب/ الجلنار) النادرة على مستوى العالم وفوائدها الصحية المتميزة، إضافة إلى شجر الصنوبر الحلبي في دبين المتميز والذي يمثل حد النصف الشمالي للكرة الأرضية.
وختم أن علماء الغرب اكتشفوا حقيقة جرش مبكراً وأحبوها حباً شديداً ومنهم عالم الآثار الإنجليزي لانكستر هاردنج الذي أوصى أن يدفن في جرش بعد وفاته وهو يرقد فيها اليوم بسلام.
وقدمت جرش مختلف أنواع العلوم للعالم، والفنون، والثقافة، والأدب، والفكر، بشكل متواصل جعل منها مدينة رائدة متميزة ساهمت بشكل فاعل في رقي الحضارة البشرية.