منوعات

ام الجمال حضارة اردنية عالمية على قائمة التراث الإنساني

اليوم الأحد 11-8-2024 : وصل خبر الفرح والابتهاج إلى قلوب الأردنيين بعد أن اجتازت أم الجمال كل التحديات والاختبارات، وتفوقت على كثير من مدن العالم، وحققت النجاح الكبير باعتراف دول العالم أجمع بلا منازع، ومن بلاد الهند، وتاج محل جاءت بشائر النجاح ليكتمل الفرح وتأخذ أم الجمال مكانها في الصدارة متوجة كأحد أهم مدن العالم التاريخية وتتربع على عرش المدن في المشرق، فاكتملت حلقة الريادة من المحلية إلى العالمية بسواعد وطنية أردنية، فكان الرقي البشري حاضرًا في أم الجمال حتى احتضنه العالم اليوم، وقدمه الأردن بجَرَأة واقتدار وكفاءة، ولست هنا بصدد استعراض الجهود الوطنية الأردنية التي بذلت في سبيل بلوغ أم الجمال المجد، بل لنعرض نموذجًا أردنيًا آخر من النجاحات التي عمل القائمون عليها بصبر، وصمت ومحبة، وها هي المفرق تذهب بأبنائها، وساكنيها لتنطلق في مسيرة المئوية الثانية للدولة الأردنية، أم الجمال أول الحصاد في مئوية الإنجاز والابتكار والريادة، وسبقها العديد من الإنجازات.

ومنذ العصور الحجرية وسلسلة الإنجازات ما زالت مستمرة وعظمة المفرق الحضارية تظهر كل يوم، فهي مفترق الطرق التاريخية والحضارية التي جمعت حضارات العالم القديم على ترابها الطهور، ومنها افترقت القوافل والعابرين والحجاج عائدين إلى بلدانهم وفي ذاكرتهم تلك الأيام الجميلة، وعلى رأس هؤلاء الرحالة والمؤرخون الأوروبيون الذين اندفعوا للمفرق للبحث في أسرارها وكنوزها وإرثها الحضاري، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الرحالة الإنجليزي كوندر الذي زارها عام 1812 فأبهرته أم الجمال فوصفها بشكل دقيق، ثم تبعه الرحالة سيلاه مريل، وبيرت دفريز، وموزيل الذي وثقها ما بين الأعوام 1896-1906، ونقلوا حقيقة تراث أم الجمال العالمي إلى العالم الغربي، وهؤلاء العلماء أحبوا المفرق وأهلها، والأردن وأهله وبعضهم دفن في ترابه الطهور.

ثم توالت البعثات العلمية، وتشكلت وزارة السياحة والآثار العامة بسواعد أردنية لتحمل راية الاكتشاف والتوثيق والصيانة والترميم والتطوير، هذه أم الجمال بصخورها السمراء وخربتها السمراء والجبال الشامخات، والسهول الممتدة حولتها السواعد الأردنية إلى أيقونة مدن البادية في بلاد الشام بلا منازع، والسلسلة تطول والإنجازات لا تتوقف، والعطاء مستمر منذ عهد الملك المؤسس عبدالله الأول رحمه الله الذي أحب المفرق وأهلها، إلى عهد الملك المعزز عبدالله الثاني، وتربعت أم الجمال على عرش الصحراء وأصبحت الاكتشافات تتوالى يومًا بعد يوم وعامًا بعد عام لتظهر الكتابات والنقوش وليؤكد لنا الخبراء أن أم الجمال علمت العالم أبجديات الكتابة بمختلف اللغات الماثلة على أرضها والمحفورة على صخورها الراسخة ومنها العربية، واللاتينية، والصفائية، والنبطية، والثمودية، وفي كل يوم إنجاز يتحقق، ورجال عاهدوا الله أن لا يدخروا جهدًا في سبيل إعلاء كلمة الوطن وإحياء تراثه وديمومته للأجيال القادمة.

واليوم يدخل السرور قلوب الأردنيين فرحين باعتراف العالم أن المفرق ومركزها الحضاري في أم الجمال هي حاضنة الفكر، والثقافة، والإبداع، والريادة منذ العصور المبكرة وليومنا الحاضر، فهي مدينة الوئام الحضاري الإسلامي المسيحي، وها هي رحاب تحتضن عشرات الكنائس التاريخية حيث الكنيسة/الكاتدرائية تحتضن المسجد الأيوبي المملوكي، وفي الفدين المسجد والكنيسة متجاوران بمحبة وسلام، لا بل تتفوق المفرق على مدن العالم باحتضانها أقدم كنيسة كهفية على مستوى العالم وجذبت اهتمام الباحثين والعلماء بأصالتها وطرازها النادر. ويستمر عطاء الأجداد في سهول المفرق وأم الجمال التي زرعت القمح، ومن ثم حصاده، وطحنه وجرشه ليطل علينا العلماء قائلين: إن أقدم رغيف خبز في العالم قد ظهر في الشبيكة في المفرق في العصور القديمة، وتستمر حالة التميز والتفرد بالصدارة باعتراف العالم بأقدم نظام حصاد مائي في جاوة، وتلك التقنيات الهندسية التي استخدمها الأجداد بتفوق واضح في الصحراء وتحويلها إلى أراض زراعية منذ العصور البرونزية أي ما يعادل منذ خمسة آلاف عام حتى يومنا الحاضر، فتربعت جاوة على أنظمة الحصاد المائي العالمي، واستمرت المفرق ومركزها الحضاري أم الجمال محطة للطرق الدولية وخاصة طريق الحرير العالمي العابر لقارات العالم، ثم طريق البخور الدولي حيث تتوقف قوافل البخور والبهارات والأطياب والعطور في أم الجمال زمن أجدادنا الأنباط وأصبحت أم الجمال محطة عالمية على خرائط العالم القديم المرتبط بقارات العالم، ثم جاء طريق الإيلاف القرشي الذي قاده هاشم بن عبد مناف القرشي، وأصبحت أم الجمال منارة تنير درب القوافل، والتجار، والشعراء، والأدباء، والحكماء، ومن أم الجمال تتجه القوافل إلى باقي مدن بلاد الشام يتجمعون في المفرق ويفترقون من المفرق في منظر يوحي بالعظمة والفخر والاعتزاز، وتخبرنا المصادر والمراجع أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه قد سار في هذه القافلة ووطأت قدماه الشريفتان هذه الأرض المباركة من خلال مسار البادية عبر الصفاوي وتلك الشجرة المباركة في البقاعوية، وأيضًا عبر مسارات المرتفعات وأم الجمال وصولًا إلى بصرى الشام.

لقد توحدت السواعد الأردنية في أم الجمال فكانت نموذجًا يحتذى ويُقتدى في العمل الجماعي التشاركي لتفوز أم الجمال والوطن وتصبح بلديتي أم الجمال مسؤوليتي ومسؤولية كل مواطن محب لوطنه وتراثه الطهور فطوبى للمفرق وأم الجمال وللوطن هذا الإنجاز الأردني الذي تحقق، مبارك للأردن ملكًا، وشعبًا، ولكل من ساهم في رفعة وعزة الوطن.

* الكاتب استاذ بكلية الملكة رانيا للسياحة والتراث/الجامعة الهاشمية