عربي دولي

شمال غزة.. جرائم إبادة متواصلة بغرض التهجير القسري

الأحد27-10-2024 :

غزة  – أحمد زقوت

يرفض أهالي شمالي قطاع غزة الانصياع لأوامر الاحتلال بالنزوح القسري نحو الجنوب، فيما يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي لليوم الـ20 على التوالي، عمليته العسكرية هناك وتحديدا في مخيم جباليا وبلدتي بيت حانون وبيت لاهيا، التي يشهد أهلها حصارا مشددا.
ونسفت قوات الاحتلال مربعات سكنية بالبراميل المتفجرة، وقصفت وهدمت منازل مأهولة بالمدنيين على رؤوس ساكنيها، وأخرجت الخدمات الطبية وطواقم الدفاع المدني من الخدمة؛ ما أسفر عن وقوع مئات الشهداء والجرحى.
ومنذ نحو ثلاثة أسابيع يجسد سكان شمال القطاع صمودا كبيرا ضد مخططات الاحتلال الرامية إلى التهجير القسري للسكان، وفقا لما يعرف بـ «خطة الجنرالات» التي وضعها اللواء في احتياط الجيش الإسرائيلي، غيورا آيلاند، حيث تقضي الخطة بتفريغ شمال القطاع من السكان، الذين يقدر عددهم بـ 400 ألف فلسطيني، وتحويله إلى منطقة عسكرية للاحتلال، وذلك بأساليب مختلفة مثل قطع إمدادات الغذاء والماء وكافة أسباب الحياة عنهم، ومنع المساعدات وتهجير السكان قسريا واعتبار كل من بقي فيه مقاتلين، وهو ما يفشله صمود السكان لا سيما أنه لا مكان آمنا في القطاع.
وفي 5 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بدأ الاحتلال تنفيذ «خطة الجنرالات» في مناطق شمالي القطاع، رغم عدم إعلانه بشكل صريح عنها، لكن الواقع والمشهد الميداني يؤكدان أنه يسير وفقا للمخطط له، حيث إن 770 فلسطينيا استشهدوا وأصيب أكثر من ألف آخرين، بالإضافة إلى عشرات المفقودين في مخيم جباليا خلال 20 يوما من جريمة الإبادة المتواصلة.
وفي موازاة ذلك، واجه الفلسطينيون في شمالي غزة «خطة الجنرالات» هذه بصدورهم العارية وبتشبثهم بأرضهم ورفضهم مخطط التهجير القسري.
 «لن نرحل»
المواطن الفلسطيني محمود جراد رفض خروجه وعائلته من منزلهم بمشروع بيت لاهيا، وقال لـ «الدستور» إن «الاحتلال شن علينا حربا دامية لأكثر من عام كامل، ولا يوجد مكان آمن نذهب إليه، يقصفنا ويقتلنا في كل وقت ومكان، لا اعتبارات لديه ولا يفرق بين المدنيين والعسكريين».
وأضاف جراد أن «ما يحصل هو فوق طاقتنا، وإبادة لكل شيء يتحرك، حصار مطبق، وتجويع وتعطيش للأهالي، لكن رغم كل ذلك لن أرحل إلا إلى السماء»، مشيرا إلى أن «سكان الشمال صبروا أشهرا طويلة، وعانوا من الجوع والعطش، وانقطعت بهم كل سبل الحياة، ونزحوا أكثر من مرة، وفقدوا بيتوهم وأهليهم وأحبابهم، لكنهم بقوا ثابتين في أماكنهم ويرفضون حتى بعد عام من الإبادة التهجير القسري والنزوح».
وبين جراد أن الفلسطينيين يتعاهدون على البقاء هنا مهما كلف ذلك من ثمن، ولا خيار لديهم سوى البقاء، فالممرات التي يدعي الاحتلال أنها إنسانية هي «ممرات الموت»، لافتا إلى أن جيش الاحتلال ينتقم من صمود السكان ويرتكب مزيدا من المجازر في كل مكان، حيث يهدم المنازل على رؤوس سكانها من خلال الجرافات العسكرية، ويدمر مربعات سكنية باستخدام روبوتات مفخخة وبراميل متفجرة، يضعها في المناطق السكنية ويفجرها عن بعد، ما يجعل المنطقة ركاما وأنقاضا، فضلا عن خسائر بشرية في الأرواح.
وأكد جراد لـ «الدستور» أن «جيش الاحتلال يعمل حاليا على تجميع المواطنين من مراكز النزوح ويعتقل الشباب وينكل بهم ولا يعرف مصير أغلبهم»، مشيرا إلى أن حرق الاحتلال للمنازل ومراكز الإيواء يهدف لمنع المواطنين من العودة إليها مجددا كما حدث في مرات سابقة ، «لكن سياسته لن تجدي نفعا، لأنه سبق للسكان أن أصلحوها وعاشوا فيها، فهي أفضل من حياة الخيام والنزوح نحو الجنوب».
الأوضاع الصحية
وحول الأوضاع الصحية في شمالي القطاع، قال مدير عام وزارة الصحة في غزة، منير البرش، لـ «الدستور»، إن «المستشفيات ستتحول إلى مقابر جماعية إذا استمرت جرائم العدوان في ظل الصمت الدولي»، مضيفا أن «الاحتلال جعل من المستشفيات هدفا رئيسيا ضمن خطته لتهجير السكان من شمال القطاع».
وخاطب البرش المجتمع الدولي بالقول: «نطالب العالم الذي فشل في توفير الحماية والمأوى لشعبنا ولم يستطع إدخال الغذاء والدواء أن يبذل جهده وأن يرسل أكفانا لنستر أجساد الشهداء»، لافتا إلى أن «ما يفعله الاحتلال في شمالي القطاع جريمة حرب مكتملة الأركان».
وأكد البرش استشهاد مريضين داخل المستشفى الإندونيسي شمالي قطاع غزة بسبب نقص الأدوية والمستهلكات الطبية والأكسجين بفعل محاصرة قوات الاحتلال المستشفى منذ أيام، فضلا عن استشهاد طبيب بطلق ناري من مسيّرة إسرائيلية في مشروع بيت لاهيا المحاصر.
أطباء بلا حدود
من جهتها، دعت منظمة أطباء بلا حدود إلى وقف فوري للحرب في قطاع غزة، في ظل الحصار الذي يفرضه جيش الاحتلال على آخر المستشفيات العاملة في شمال القطاع، مؤكدة أن مئات المرضى والجرحى محاصرون ويواجهون خطر الموت.
وقالت منسقة الطوارئ في المنظمة بغزة، آنا هالفورد، إنه «يجب ضمان حماية مرافق الرعاية الصحية التي ما زالت تعمل، كما يجب استمرار تقديم الرعاية الطبية والعلاجات المنقذة للحياة»، مضيفة أن «قوات الاحتلال الإسرائيلية تحاصر وتستهدف حاليا المستشفى الإندونيسي ومستشفى العودة ومستشفى كمال عدوان، حيث يتواجد أكثر من 350 مريضا، بينهم نساء حوامل وأشخاص خضعوا لعمليات جراحية، غير قادرين على المغادرة أو تلقي العلاج اللازم».
وأكدت هالفورد أنه في ظل استمرار القصف اليومي والحصار على مخيم جباليا، الذي يقطنه عشرات الآلاف من السكان، فقدت المنظمة أحد موظفيها وأصبحت عاجزة عن الوصول إلى عدد من أفراد طاقمها بسبب انقطاع التيار الكهربائي، واصفة الوضع بأنه «عقاب جماعي» على الفلسطينيين في غزة، الذين باتوا يواجهون خيارا مروعا بين النزوح القسري أو الموت.
الدفاع المدني
من جانبه، قال المتحدث باسم الدفاع المدني بغزة محمود بصل لـ»الدستور»، إن عمل طواقم الدفاع المدني توقف بشكل كلي في محافظة شمال القطاع، مشيرا إلى أن الوضع أصبح كارثيا هناك، وأن المواطنين المتواجدين باتوا دون خدمات إنسانية.
وأكد بصل أن قوات الاحتلال المتواجدة في منطقة الشيخ زايد اعتقلت 5 من طواقم الدفاع المدني واقتادتهم إلى مكان مجهول، لافتا إلى أن الدبابات الإسرائيلية استهدفت بقذائفها مركبة الإطفاء الوحيدة في شمال القطاع وأضرمت النيران فيها.
وذكر المتحدث أن 3 مصابين من عناصر الدفاع المدني ممن تم استهدافهم بطائرة إسرائيلية مسيرة في مشروع بيت لاهيا انقطع الاتصال بهم ولا يُعلم مصيرهم، مبينا أن عددا كبيرا من المواطنين يرفضون مغادرة منازلهم في جباليا، فيما يواصل الاحتلال محاصرة النازحين والمرضى والطواقم الطبية في مستشفيات الشمال.
إبادة جماعية
وفي غضون ذلك، أكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، أن قوات الاحتلال تواصل هجومها البري الواسع في محافظة شمال غزة منذ مساء 5 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وسط قصف جوي ومدفعي عنيف وغير منقطع، وتنفيذ عمليات نسف وتدمير واسعة، وارتكاب جرائم قتل شنيعة، مع حصار خانق وعزل كامل للمنطقة عن مدينة غزة، وتجويع ومنع إدخال أي إمدادات إنسانية إليها، وتعطيل متعمد لعمل طواقم الإسعاف والدفاع المدني، وتدمير ما تبقى من مقومات أساسية للحياة، واستهداف مكثف لمراكز الإيواء وإجبار من فيها على النزوح خارج شمال غزة بعد التنكيل بهم واعتقال عدد من الرجال منهم. وقال المركز، في بيانه إنه «لا يزال عشرات الآلاف في المنطقة يواجهون خطر الموت جوعا نتيجة منع إدخال أي مساعدات منذ ثلاثة أسابيع، أو قتلا بالقصف الإسرائيلي المتواصل بكثافة عالية، في وقت زادت فيه قوات الاحتلال من وتيرة تدمير ما تبقى من منازل ومربعات سكنية.
وأكد المركز الحقوقي أن قوات الاحتلال قامت بتفجير روبوتات وبراميل متفجرة في الأحياء السكنية ونسفها، مشيرا إلى وجود عائلات محاصرة في منازل تعرضت للقصف أو النسف، أو في مناطق خطرة، ويتعذر الإجلاء من المنطقة بسبب منع حركة الإسعاف والإنقاذ. وذكر أن قوات الاحتلال تنفذ عمليات حرق واسعة للمنازل ومراكز الإيواء في الأحياء التي تتمركز فيها، بعد تهجير السكان منها قسرا، ما يدلل على أن ما يجري ليس له هدف إلا التدمير والقضاء على فرص الحياة في المنطقة حاليا وفي المستقبل.
وطبقا للمركز، فإن الغارات العنيفة عبر الجو والمدفعية والتي تستهدف المنازل ومراكز الإيواء تفتقر للضرورة الحربية، وتأتي لمحاولة قوات الاحتلال وبشكل غير قانوني إجبار عشرات آلاف السكان المدنيين على مغادرة المنطقة بهدف تنفيذ خطة إسرائيلية غير معلنة لتهجير جميع سكان شمال غزة، ومطالبتهم بالتوجه إلى جنوب قطاع غزة، حيث أصدرت قوات الاحتلال 4 أوامر تهجير من المنطقة منذ بداية الهجوم.
وبين المركز أن غالبية المهجرين رفضوا التوجه لجنوب القطاع ولجؤوا إلى مناطق أخرى في مدينة غزة، ويفتقرون للمأوى المناسب والغذاء، في وقت ينعدم فيه وجود مكان آمن في كل قطاع غزة.  وقال إن ما يجري من تهجير قسري وتدمير وحرق ممنهج يدلل على تعمد إسرائيلي بنية واضحة ومقصودة لإخضاع الفلسطينيين لظروف معيشية يراد بها تدميرهم المادي كليا أو جزئيا، في إطار جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة منذ 7 أكتوبر 2023.