بقلم: الدكتورة مرام بني مصطفى الاستشارية النفسية والتربوية
الثلاثاء 29-4-2025: يعد الاختيار المهني من أهم القرارات التي تؤثر على مستقبل الفرد وحياته العملية والاجتماعية،ويتأثر هذا القرار بعدة عوامل، منها القدرات الشخصية، الميول المهنية، والتأثيرات البيئية، وأبرزها تأثير الأسرة، وبشكل خاص مهنة الوالدين. فقد أشارت العديد من الدراسات العلمية إلى أن الأبناء غالبًا ما يتأثرون بالمهن التي يمارسها آباؤهم وأمهاتهم، سواء بشكل مباشر من خلال التوجيه الأسري أو غير مباشر عبر التنشئة والبيئة الاقتصادية والاجتماعية المحيطة فأن موضوع الاختيار المهني من المواضيع الهامة التي تظهر بشكل كبير في ميادين ومجالات الوظائف والأعمال من ناحية وفي تعلم الأبناء كيفية اتخاذ خطوات صحيحة في الاختيار الصحيح للمهنة المفضلة لديهم في مرحلة مبكرة، ويسهم موضوع الاختيار المهني في تسليط الضوء على عدد من الأمور المتعلقة بالنواحي الانفعالية والنفسية وعملية النضج المهني ويساهم في تحسين النظرة للمستقبل.
ويرتبط هذا الموضوع بالتوعية بالمهن الموجودة والمتوفرة في سوق العمل الذي يأتي في سياق التخفيف من البطالة في سوق العمل وزيادة فرص التنافس على الوظيفة ما بين الأبناء بعد انتهاء مرحلة الدراسة الأساسية والثانوية والالتحاق بالجامعات أو الالتحاق بمهن معينة في مرحلة الدراسة الثانوية.
ويأتي ضمن هذا الإطار دور الوالدين في الاختيار المهني والذي يتفرع إلى عدة أشكال، فقد يكون الدعم من خلال تبني اتجاهات معينة محددة ومحاولة اقناع الأبناء لتبنيها أيضاً، ويكون من خلال تقديم الدعم المعنوي والمادي لحث الابن للالتحاق بمهنة معينة، والأهم التأثير المباشر لمهنة الأب على الاختيار المهني للابن بغض النظر إن كانت ضمن رغبة الابن أم لا.
وهناك اختلاف بين تأثير مفاهيم الوالدين ومهنة الوالدين على الاختيار المهني، فالمفاهيم تكون موجودة لدى الوالدين ويحاول الوالدين فرضها، ولكن قد لا يقتنع بها الأبناء وبالتالي يمكن أن تؤثر كثيراً إذا لم تكن المفاهيم في نفس اتجاه مهنة الوالدين، بينما حين يشاهد الأبناء أمامهم مهنة الوالدين ومحاولات الاقناع الممارسة عليهم فإن ذلك يكون له أثره الأكبر على الاختيار المهني للابن ووجود المهن كمثال حي أمام الأبناء وهو كدليل مادي على وجود الاستقرار في العمل الذي يكون موجوداً لدى الوالدين وهو مايعني التأثر بنسبة كبيرة بمهنة الوالدين .
أن عملية الاختيار المهني تتأثر بعدد من العوامل منها الحيرة والتردد وذلك لأن عدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب قد يضر بالإعداد المهني والتوافق والنجاح المهني ، العامل الآخر واقعية الاختيار وهي مشكلة يقع في العديد من الطلبة والناس عند اختيار مهنة قد تتطلب مستوى من الذكاء والقدرات العقلية والجسمية أعلى مما لديهم ويأتي بعد ذلك الاهتمام بالمكانة والنجاح والذي يكون بتفضيل واختيار مهن ذات مكانة عالية في المجتمع والنجاح والمقابل المادي لهذه المهن، أيضاً من العوامل المؤثرة عدم فهم الفرد بذاته وعدم كفاية المعلومات عن بعض المهن.
وتشير الدراسات إلى أن الأب الذي يمتهن مهنة معينة يحاول في أغلب الأحوال أن يعلم أبناءه أو أحدهم على الأقل بنفس مهنته والذي يكون قد أتقنها بشكل كبير ويحاول اسقاط نجاحه في تلك المهنة على أبنائه، ويحاول ترسيخ هذه المهنة كتقليد متوارث للعائلة، وفي جانب آخر قد يكون فيه نوع من ممارسة السلطة الوالدية على الأبناء.
وفي المقابل ينبغي التفريق بين مفاهيم واتجاهات الوالدين ومهنة الوالدين بشكل خاص ، فالكثير من الدراسات من بينها دراسة سوريادي (Suryadi et al, 2020) تناولت تأثير الأهل على الاختيار المهني لأطفالهم ولكن قد يكون الأكثر تأثيراً هو مهنة الأب أو الأم، والكثير من الآباء يعمد إلى تعليم أبنائهم نفس مهنتهم أو الالتحاق بمهن قريبة من مهنتهم وذلك بسبب وجود الخبرة الكافية للأب لمساعدة الابن في هذه المهنة واختصار الكثير من الوقت والجهد على الابن للبحث عن مهنة أخرى وحب الوالدين لكي يروا نجاحهم في حياتهم يتجسد في مهنة أبنائهم، وبعض الآباء يرى في ذلك توريث لمهن قديمة للأسرة ويكون في ذلك ترسيخ لعراقة تلك المهنة وارتباطها بأجيال الأسرة المتعاقبة، كما أن تأثير التطابق والتشابه في التوجهات نحو المهن بين الآباء والأبناء في اختياراتهم للتخصصات بعد مرحلة الدراسة الأساسية، واتجاه عدد من الطلبة نحو التعليم المهني بناءً على هذا التطابق والتشابه بين ما اختاروه والمهنة الحالية التي يشغلها الوالد.
ولا يكون تأثير مهنة الوالدين فقط في المرحلة الدراسية العليا، لكن قد يبدأ من مرحلة مبكرة من عمر الأبناء، فيعمد الوالدين إلى اصطحاب أبنائهم إلى أعمالهم في كثير من الحالات وبالتالي يتعرف الأطفال على بعض المهن وخاصة مهنة الأب ويستمعون لأبنائهم ويطرحون أسئلتهم عليهم حول المهنة التي يشغلها الوالد مما يخلق إطاراً تعليمياً ومفاهيم إيجابية حول مهنة الوالد ويتلقون بذلك التوجيه المهني والأكاديمي المناسب لمهنة الوالدين وتوجيه قراراتهم المهنية بعد ذلك.
وقد يكون ذلك له تبعات سلبية وذلك بتأثير الوالدين وممارسة ضغوط من قبلهم على الاختيار المهني للأبناء وخاصة إذا كانت المهنة من المهن اليدوية والحرفية بغرض اكتساب مهنة أخرى، إضافة للمهنة الأكاديمية أو التعليمية أو غيرها وذلك لاكتساب المزيد من المال.
أيضاً من السلبيات على الأبناء هو أن اختيار مهنة الأب يحرم الابن من فرصة اختيار المهن حسب ميوله رغباته وقدراته وقد يؤدي اختيار نفس مهنة الوالدين إلى زيادة أعداد الملتحقين في هذه المهنة وبالتالي زيادة مشكلة البطالة، أيضاً قد تكون مهنة الأب من المهن التقليدية القديمة ولا تواكب العصر ولا يوجد فيها أي تطور مهني لاحقاً وبالتالي الإبقاء على نفس مستوى المهنة دون تقدم.
ذلك من السلبيات فقدان الاستقلالية في الاختيار المهني والتبعية التامة للوالدين الذي قد يفقد الأبناء حرية التعبير عن خياراتهم وميولهم المهنية ويجعلهم تحت ضغط الوالدين مع عدم إعطاء الطالب ضعيف التحصيل العلمي المحاولة مرة أخرى لتحسين تحصيله وبالتالي الرضا عن وظيفة الأب فقط لأتها الأيسر والأسهل وبذلك تنخفض الدافعية للالتحاق بالتخصص والمهنة التي يريدها.
وكذلك قد يكون ذلك له تأثير على وجود مهن يكون سوق العمل بحاجة لها وتحتاج إلى من يعمل بها ويتعلمها وبالتالي ينخفض العاملين فيها مع الحاجة الملحة لها،
ولذلك فإن تأثير اختيار مهنة الوالدين هو أكبر من التأثر بمفاهيم الوالدين ، فالوالدين قد يغيران من مفاهيمهما نحو مهنة معينة احتراماً لاختيار ميول ورغبة الابن، في الاختيار المهني، و أن لا يكون هناك نوع من الضغوط للالتحاق بمهنة الوالدين مهما كانت إيجابية أو سلبية هو بحاجة إلى التوعية والإرشاد المهني لكل من الوالدين والأبناء والمجتمع بشكل عام لعدم الوقوع في بعض الأخطاء في عملية الاختيار المهني.